Bonjour du Grand Liban - Ainebebl
مواقف
التيارات اللبنانية الاسلامية من مشروع
لبنان الكبير بحث للصديق المؤرخ انطوان الحكيم - جريدة اللواء د -
الطائفة الشيعيّة: تعرّضت الطائفة الشيعيّة بدورها للتجاذب بين دولة لبنان
الكبير والوحدة السوريّة. وبعد انسحاب العثمانيين مباشرةً من المنطقة، في 30
أيلول 1918، كثّفت حكومة دمشق الفيصليّة الدعاية في الأوساط الشيعيّة، في
البقاع وفي جبل عامل، وحذا حذوها سنّة المدن الساحلية الوحدويّون. تشكّلت آنذاك
عصاباتٌ شيعيّة مسلّحة، تدعمها دمشق، وأخذت تهاجم القوّات الفرنسيّة المتواجدة
على تخوم المنطقة الساحلية، وأحياناً القرى المسيحيّة المتَّهمة بالتعاطف مع
تلك القوات. على الرغم من كلّ ذلك، ظلّ القسم الأكبر من أبناء تلك الطائفة يصبو
إلى لبنان الكبير. ظهر ذلك جليّا خلال الاستقصاء الذي قامت به لجنة كينغ-كراين.
تلقّت تلك اللجنة من أهالي البقاع 15 عريضة، 11 منها طالبت بالانضمام إلى لبنان
الكبير، وبالانتداب الفرنسي، و4 فقط بالارتباط بسورية(28). إن الأكثرية الساحقة
من مخاتير القرى الشيعيّة اختارت لبنان الكبير والمساعدة الفرنسية، ما أغضب
فيصلاً واتباعه؛ فما كان منهم إلاً أن القوا القبض على اثنين من هؤلاء المخاتير
وزجّوهما في السجن(29). ولم يطلقوا سراحهما إلاّ «بعد أن اشتكى الأهالي ممّا
جرى إلى أعضاء اللجنة الأميركيّة»(30). عندما تشكّل الوفد اللبناني الثالث إلى
مؤتمر الصالح برئاسة المطران عبدالله الخوري، كان مقرّراً أن يشارك فيه كامل بك
الأسعد؛ لكنه اعتذر لأسباب شخصيّة وأرسل إلى الجنرال غورو تفويضاً خطيّاً
ليسلّمه إلى الخوري، يسمح له بموجبه بالمطالبة، باسم شيعة جبل عامل، بالانضمام
الى لبنان الكبير، وهذا نصّ رسالته مترجماً عن الفرنسيّة: «أنا الموقّع أدناه،
كامل بن خليل الأسعد، لي الشرف أن اعلمكم بأني، بصفتي مفوّضاً من قبل أبناء
طائفتي، الشيعة القاطنين في جبل عامل المكوّن من أقضية صيدا وصور ومرجعيون،
أعطي تفويضاً مطلقاً إلى سيادة المطران عبدالله الخوري، لكي يطالب أمام مؤتمر
الصلح بضمّ جبل عامل المذكور إلى لبنان الكبير وبأن يتمتع هذا الجبل
بالامتيازات نفسها تحت الحماية الفرنسيّة. يُعتبر المطران الخوري مندوباً
عنّا في كنها لبنان الكبير، مسيحيّين ومسلمين، بأغلبيتهم المطلقة، وبغض النظر عن انتمائهم المذهبي، ساهموا، بنسبٍ مختلفة في ولادة الكيان الجديد وارتضوا به وطناً عن طيبة خاطر وشاركوا في وضع دستوره وفي بلورة نظامه السياسي. أمّا الّذين قاطعوه من أبناء الطائفة السنيّة في عشرينيات القرن الماضي، لأسبابٍ ذكرناها سابقاً، فعادوا وانخرطوا فيه بقوّة ابتداءً من منتصف الثلاثينيّات، ولعبوا دوراً أساسياً في صياغة ميثاق 1943. الموضوع الثاني هوَ مسألة الوطن القومي المسيحي: لا يزال البعض يصرّ على التأكيد أنّ مشروع البطريرك الحويك كان يهدف إلى تحويل لبنان إلى وطن قومي مسيحي. ربّما رغبت بعض الشخصيّات المسيحيّة بهكذا وطن، ولكن بحدود مصغّرة غير تلك التي أُعطيت للبنان الكبير. أمّا خيار البطريرك حويك فكان غير ذلك. كان خياره إنشاء دولة قابلة للحياة، بحدود واسعة، مستقلّة عن البلدان المجاورة، يعيش فيها جميع أبنائها، مهما كانت طائفتهم، أحراراً، متساوين في الحقوق والواجبات، وبخاصة يعيش فيها المسيحيون، كما عاشوا في المتصرفيّة، مرفوعي الرأس، نابذين عنهم عقدة الذميّة التي عانوا منها في ظلّ الحكمين العربي والعثماني. هل يُعقل أن يكون هدف البطريرك الحويّك إنشاء وطن قومي مسيحي، وهو الذي فوّضه مجلس إدارة المتصرفيّة الذي يمثّل الطوائف كافةً، وفوّضته شخصيات إسلامية عديدة للعمل على إنجاح مشروع لبنان الكبير، وقبلت شخصيات إسلامية أخرى، مزوّدةً بتوجيهاته، بالمشاركة في الوفود إلى مؤتمر الصلح للمطالبة بتوسيع الحدود وبالاستقلال عن أي كيان آخر قد ينشأ في الجوار؟< b>لّ المساعي التي سيقوم بها في هذا الخصوص». في 5 شباط 1920، كامل
الأسعد(31). شكّل مؤتمر وادي الحجير، كما الهجمات التي شنّتها على إثره العصابات
العاملية المسلّحة(32) على صور- بسبب إصرار هذه المدينة على انتمائها إلى لبنان
الكبير - وعلى القرى المسيحية المعزولة في الجنوب ومنها عين ابل، غيمةً سوداء في
تاريخ جبل عامل(33). إن حكومة الأتاسي السوريّة هيَ التي حرّضت العصابات على
القيام بذلك. كانت ردّة فعل سلطات الانتداب عنيفة إذ أوكل غورو إلى الكولونيل
نييجر (Nieger) قيادة حملة عسكرية للاقتصاص من الجبل، فهاجمته انطلاقاً من جنوبه
وفرضت غرامات على سكانه.
بعد معركة ميسلون وانهيار الحكم الفيصلي، هدأت الأوضاع نسبيّا. وبعد إعلان دولة
لبنان الكبير، أرسل وجهاء الشيعة في مدينة صور، في 5 أيلول، برقية إلى الجنرال
غورو هذا نصّها: «نحن مسرورون بضم مدينتنا إلى لبنان الكبير. نوجّه إلى سعادتكم
شكرنا الجزيل لتعيينكم الكومندان ترابو (Trabaud) حاكماً على لبنان الكبير»(34).
تلقّى غورو بالمعنى نفسه، ومن جبل عامل، عدداً من البرقيات الأخرى، منها واحدة
وقّع عليها مخاتير 16 قرية شيعيّة(35). في العام 1923، ظهر في الجنوب تيار طالب
بإنشاء كيان مستقل عن لبنان الكبير يضمّ جبل عامل والمدن الساحلية، ويقيم علاقات
طبيعيّة مع لبنان والداخل السوري. تزعّم هذا التيار الحاج عبدالله يحيى وتصدّى له
كامل بك الأسعد وبهاء الدين زين(36). أثار هذا التيار ضجّة لبعض الوقت ولكنه
سرعان ما هدأ، وبخاصة بعد أن أصدر ليون كايلا، حاكم لبنان الكبير، في 27 كانون
الثاني 1926، قراراً يعترف باستقلاليّة الطائفة الشيعيّة ويحقّها بأن تطبّق
المذهب الجعفري في إدارة الأحوال الشخصيّة لأبنائها. في اليوم نفسه، زار السّيد
عبد الحسين شرف الدين مكتب ليون سولومياك (Solomiac)، ممثل المفوّضية العليا لدى
دولة لبنان الكبير برفقة ثلاثة نوّاب شيعة، وأعرب له عن «امتنان أبناء طائفته
للاعتراف بالمذهب الجعفري». أمّا النواب الثلاثة فأبلغوا سولومياك «نهاية كل
الحركات الانفصالية في جبل عامل وانضمام الطائفة الشيعيّة بأبنائها كافةً إلى
لبنان الكبير...»(37). نتمنّى، في ختام هذا المقال، من الذين يتطرّقون في
كتاباتهم إلى موقف نخب الطوائف من دولة لبنان الكبير أو يقومون بتصريحات في هذا
المجال أن يأخذوا في الاعتبار موضوعين اثنين: الأوّل، عدم الإصرار على التأكيد
أنّ الطوائف الإسلاميّة عارضت جميعها قيام دولة لبنان الكبير وأن الطائفة
الأرثوذكسيّة حذت حذوها. لقد أظهرنا في هذه الدراسة المقتضبة أن موقفاً كهذا
يشكّل خطأً تاريخيّاً لا يجوز أن يترسَّخ في أذهان اللبنانيين وفي ذاكرتهم
الجماعيّة. نحن نرى، استناداً إلى ما ورد في مقالنا هذا، أنّ سكان المناطق التي
تكوّن م