كلنا للوطن .أي وطن؟

SmileyCentral.com
Affichage des articles dont le libellé est joseph khoreich. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est joseph khoreich. Afficher tous les articles

lundi 12 mars 2018

مقام السيدة العذراء مريم ، "أم النور " في عين إبل-جنوب لبنان




مقام السيدة العذراء مريم ، "أم النور " في عين إبلجنوب لبنان 2008

 article ecrit en 2008
من المأمول به أن يحظى مقام السيدة العذراء مريم ، "أم النور " ، المزمع بناؤه  فوق تلة ضهر العاصي عند المدخل الشمالي للبلدة ،أن يحظى  بتكريم مشترك من مختلف الكنائس والطوائف في لبنان. وذلك إذا عرف القيمون على هذا المشروع أن يجدوا له التصميم المناسب ، والمعاني العميقة  التي يستلهمها ، في أبعاده الروحية والتراثية لا المسيحية فقط بل الاسلامية ايضا . وفي وقت تعمل الدولة اللبنانية لكي تكرّس يوم عيد البشارة الواقع في 25 اذار- مارس عيدا وطنيا رسميّا ، وفق ما تم الاعلان عنه خلال السنة الفائتة ، فذلك يعني أن العيد الذي ستحتفل به جميع المكونات اللبنانية المسيحية والاسلامية على حد سواء ، قد يكون له مدلول خاص بالنسبة لمن يكرمون "أم النور" ، في المنطقة  التي تضم في شقّيها اللبناني والفلسطيني – الاسرائيلي أتباعا من الاديان التوحيدية الثلاثة ولا سيما منها المسيحية والاسلامية. وفي حال تم الاعلان عن هذا العيد فعندئذ قد تكون المنطقة اول من يفيد من هذه المناسبة ، باعتبارها ذكرى من ذكرياتها التاريخية القديمة ك" جليل الامم" و "بلاد بشارة" ، التي قال فيها  انجيل متى والنبي اشعيا: "الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور" عظيم. (متى 16:4)            
أما اذا لم يكن للعذراء مريم في اليهودية النظرة عينها من التقدير والاجلال اللذين لها في المسيحية  فإن لعيسى وأمه مريم مكانة خاصة في الاسلام. وهذا ما يجب القاء الضوء عليه في ما يتعلق بالنصب التذكاري للسيدة أم النور ، لكي تأتي إقامته تعبيرا عن تراث ايماني مشترك بين المسيحية والاسلام .
عن حقيقة هذا التراث المشترك عبّر المجمع الفاتيكاني عام   1965 في المرة الاولى من تاريخ العلاقات بين الكثلكة والاديان الاخرى تعبيرا صريحا، في سياق النهج الاصلاحي والانفتاحي على قضايا العالم المعاصر ، ومن بينها بنوع خاص العلاقة مع الدين الاسلامي : " تنظر الكنيسة بتقدير الى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد الحي القيوم، الرحمن القدير الذي خلق السماء والارض وكلّم الناس...وإنهم ، على كونهم لا يعترفون بيسوع ابن الله، يكرمونه نبيا، ويكرمون أمه العذراء مريم مبتهلين اليها بإيمان... والمجمع يحث الجميع ( مسيحيين ومسلمين) على نسيان الماضي ، والعمل باجتهاد صادق في سبيل التفاهم في ما بينهم، وأن يعززوا ، من أجل جميع الناس ، العدالة الاجتماعية ، والقيم الروحية ، والسلام والحرية" ( راجع:المجمع الفاتيكاني الثاني ، علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية ، المكتبة البولسية-حريصا 1992 - ط 1،ص ، 628 وما يلي ).
من جهته يعبر الاسلام عن تقديره لعيسى المسيح ابن مريم في نصوص عديدة وأشكال متنوعة. منها تخصيص مريم بسورة قرآنية (سورة مريم ،19).وهذا امتياز كبير في نظر الاسلام ، فضلا عن أن مريم هي الامرأة الوحيدة التي يذكرها بالاسم كتاب الاسلام الكريم، خاصا اياها بعدد كبير من الايات في سور اخرى ومنها "سورة التحريم" التي تقدم مريم مثالا في الايمان: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.... وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " (سورة التحريم 66 : 11-12) ، و في  "سورة آل عمران" يذكر الكتاب "آل عمران" من بين الذريات  المختارة عند الله ، كما يصف مريم المتحدرة منهم والمنذورة  منذ ولادتها لله تعالى، بأنها مقبولة لدنه قبولا حسنا .فلما وضعتها امها امرأة عمران ( القديسة حنة) قالت هذه.".. وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فتقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب" (سورة  آل عمران 33:3-37)
الى هذه الصورة الجميلة والمثالية التي يقدمها الاسلام عن مريم  يتوقف  تاريخ الفتوحات الاسلامية على واقعة معبّرة جدا عن تقدير نبي الاسلام (ص)  لشخص كل من عيسى وأمه مريم عليهما السلام:
  روى الأزرقي ، أحد كبار المؤرخين لمدينة مكة ، أنه لما دخلها النبي فاتحا ، عام 630 حسب التقويم الميلادي ، كانت دعائم الكعبة مزينة ب  " صور الانبياء وصور الشجر وصور الملائكة .فكان فيها ...صورة عيسى بن مريم وأمه.. فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله (ص) البيت فأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب فبٌلّ بالماء، وأمر بطمس تلك الصور فطمست ...ووضع كفّيه على صورة عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام وقال : امحوا جميع الصور الا ما تحت يديّ . فرفع يديه عن عيسى بن مريم وأمه."  كان حول الكعبة حوالي 360 صنما ، كما كانت لوحات تصور الملائكة على صورة نساء جميلات، وصورة لحمامة منحوتة على الخشب ، فقام المسلمون بتحطيمها ، على أنها معالم للشرك ،  غير أن الرسول الذي كان قد شارك في هذا العمل فإنه أستثنى من ذلك صورة عيسى وأمه مريم ، تعبيرا منه عن عظيم تقديره لهما.
وبمثل هذا التقدير يواصل المسلمون اليوم مشاعرهم نحو من يعتبرهما الاسلام "آية للعالمين "( سورةالانبياء 21:91) ، ومضرب مثل في الايمان: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُواامْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ....وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيه مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ “(سورة التحريم 66 : 11-12) .وكانت مريم  افضل نساء العالمين حسب الكتاب عينه : "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. " ( آل عمران: 42 و43) وتتضمّن سورة المؤمنون (23:50) آية بليغة تنطبق في توصيفها على الموقع الذي سيجثم فوقه تمثال العذراء :"وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ". أي الى تلة ذات واد وينبوع أوعين ماء .
( راجع أخبار مكة ج1 ص 104 : ، جواد علي ، تاريخ العرب ج5 ص 172). ( راجع أيضا:- تاريخ الكعبة ، علي حسني الخربوطي، دار الجيل ، لبنان1976 ص،143- المسيحية والحضارة العربية، أ. جورج قنواتي، دار الثقافة ، القاهرة ، 1992، ص 83)
الشواهد لا تحصى ولا تعد عن مظاهر هذا التقدير والاكرام . فالعين إبليون يلمسون ذلك كل سنة في مناسبة عيد السيدة حيث  غالبا ما يشارك عدد من المسلمين في زياح العذراء بكل خشوع .ومن الجدير ذكره هنا أنه في سنة 1954 عندما قامت رابطة الاخويات بتنظيم زيارة تمثال سيدة لبنان المنحوت من خشب الارز الى مئات القرى والبلدات اللبنانية  ومنها عين إبل، انبرى عدد من شبان الطائفة الشيعية الكريمة في بلدة يارون ليشارك في حمل التمثال ، طالبين من أبناء عين إبل أن يمنحوهم الاولوية في حمله قائلين :"لكم أن تكرموها في صلواتكم داخل الكنائس ولنا أن نكرمها بحملها على رؤوسنا . مش كل يوم بدها تجي لعنّا" . يومها أيضا  أبى أبناء عيتا الشعب الا أن يستقبلوها في بلدتهم بقوس النصر والتصفيق والزعردة ورش الارز والملبس والزهور ومسح المناديل بالتمثال تبركا به مرددين:"السلام على اسمك سبحان العاطيكي". وصعد  الشيخ محمد عبدالله  الى السيارة التي تحمل التمثال فألقى باسم  أهالي البلدة خطابا رائعا قال فيه  : "سلام على السيد المسيح وليد السيدة النفيسة العصماء ، آية الله الكبرى ورسوله الأعظم...بوركت من أم سعيدة وبورك الله الذي اصطفاك وبورك سيدنا عيسى الذي ولدته. ما للنور يشع ؟ وما لنجوم السماء تلمع؟ ذلك لأن المسيح غشاها فأعطاها كمالها الساطع". يومها أيضا استقبلت مدينة بنت جبيل تمثال العذراء استقبالا مهيبا ، إذ رفعت قوس النصر وقامت بتزيين شارعها الرئيسي وتقاطر سكانها ، يتقدمهم رئيس البلدية وأعضاؤها وفرقة الكشافة ، ترحيبا بمرور العذراء في مدينتهم ، فيما كات النساء "يمطرن الموكب بوابل من الملبس والكراملا ويملأن الفضاء زغردة ".( راجع :الطريق المريمي ، الاب جورج خوري ، 1998، ص ، 121- 135)
نرجو أن تؤخذ بالاعتبار هذه الصور  والمعاني والذكريات المستمدة من التراث الايماني المشترك ، المسيحي والاسلامي معا، لدى تقديم خلفية هذا التذكار الديني الجامع، الذي يجب أن يخاطب مخيلة جميع أبناء الاديان  التوحيدية في لبنان والعالم ، ويحرك قلوبهم باتجاه الوحدة والسلام ، من على موقع فوق أرض جنوبية لبنانية، حيث يمكن ان تترسخ صورة التمثال، لا  في الذاكرة المحلية وحسب، بل أيضا في الذاكرة العالمية .هذا ما نرجو وما نتمنى على لجنة المشروع أن تعمل عليه لكي يأتي النصب التذكاري المريمي على قدر الطموح.
جوزف توفيق خريش 19-3-2008