كلنا للوطن .أي وطن؟

SmileyCentral.com

dimanche 10 mai 2020

الكيان السياسي لجبل عامل قبل عام 1920 نموذج من تفكير انتليجنسيا جبل عامل

Bonjour de Ainebel,Kifkon ya shabeeb!!
الكيان السياسي لجبل عامل قبل عام 1920

نموذج من تفكير انتليجنسيا جبل عامل 
في نظرتها الى الكيان الوطني والاجتماعي في جنوب لبنان  
خلاصة بحث قدمه المؤرخ  د. منذر جابر سنة 1979  في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، 

في المقدمة يرى الباحث ان تاريخ جبل عامل مضيع لاكثر من سبب :
1 ـ عموم المؤرخين اللبنانيين ينظرون الى جبل عامل نظرة فوقية  كما لو كان "خالة لهذا الوطن وليس أما" ، فلا يذكر في كل مراحل التعليم في لبنان الا مرة واحدة وذلك "عندما أقطع أمير جبل لبنان آل علي الصغير بلاد بشارة بعد معركة عين داره."  (1623 ) اعتقادا منهم انه بتغييب التاريخ الخاص بكل منطقة وطائفة، تخبو نيران الصراع  فيصبح "جميع اللبنانيين أخواناً في عائلة معتمة".
2-  المؤرخون العامليون  انفسهم يخلو عملهم من التحليل والتعليل والاستنتاج،  وتنطلق كل كتاباتهم التاريخية من أساطير ومسلمات تعلوعن النقاش: أسطورة الأصل الواحد (بنو عاملة)، أسطورة التشيع على الصحابي أبي ذر الغفاري، الى "الأساطير التي ترويها العائلات العاملية عن ماضيها أو تختلقها لماضيها".
3- تاريخ جبل عامل مضيع على يد العامليين أنفسهم : "التاريخ في جبل عامل ما زال ختيارا له لحية بيضاء يروي أخباراً متناقلة عن الماضي، ومجموعة من الذكريات غير البعيدة في الزمن والمحفوظة في صدور أقلية من الناس تردد ما يخطر لها منه في حلقات ومجالس ضيقة ... تسلية مثقفين، دينيين على الأغلب، لا شاغلاً جماعياً أو تراثاً شعبياً لجماعة تجد فيه صوراً لنفسها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً."
4 ـ يرى منذر جابر انه منذ عام 1920  جرى تبدل قسري فوجد جبل عامل نفسه  جزءاً من دولة لم تكن له فيها شركة من قبل، لا بل  "قاروطاً" ضائعاً يعتاش على ما تجود به يمين "الخالة" وأولادها الشرعيين ". اقتصاده شبه مفلس بعد أن سدت في وجهه أبواب فلسطين وسوريا. بات وكأنه بلا حياة .معظم سكانه مقيمون في أحياء بائسة من العاصمة حيث  يؤدون على الأغلب أكثر الأعمال شقاء وأقلها أجراً، دون استقرار في العمله أو ثبات .
5ـ على الصعيد الثقافي لا مراكز ثقافية تذكر في جنوب لبنان الا ما تحفظه الذاكرة عن مدارس قديمة كانت في ميس الجبل وعيناتا والكوثرية وبنت جبيل .وان وجدت بعض المراكز فانها تفتقد الحوار واللغة المشتركة ."فالمثقف الديني والمثقف الماركسي لا يعترفان ببعضهما البعض والواحد منهما يجد حديث الآخر من غير لغته، وشواغله من غير شواغله، وأسئلته وأجوبته وقضاياه هي غير ما يطرح من أسئلة وأجوبة وقضايا".في مثل هذه الحال يرى جابر انه من الطبيعي ان يضيع العامليون تاريخهم  ويبدو جبل عامل هكذا وكأنه بلا تاريخ او تراث .
6- فئة المثقفين على قلتهم واختلاف اتجاهاتهم  شاغلهم الشاغل والأهم هي الوظيفة. فلا يعون ان لجبل عامل تاريخاً الا في اللحظة التي تسد في وجوههم أبواب الرزق والترقي، "بحيث يباتون لا يملكون شيئاً الا ما تمليه عليهم حاجات المدينة وغايات رأسماليتها."
بعد هذه المقدمة التي تتوقف على ضياع التاريخ العاملي، ينتقل منذر جابر الى الحديث عن الكيان السياسي لجبل عامل قبل 1920 وأثره في الوعي والفكر الشيعيين، بملاحظتين منهجيتين:
1 - أن كلمة كيان  لا يعني بها انفصالاً أو حاجزاً اجتماعياً تاريخياً وجغرافياً بين جبل عامل وجواره. وانما كلمة كيان هنا يتحدد معناها بحدود التمايز والخصوصيات الجزئية الاجتماعية والسياسية ضمن التاريخ العام الموحد والجامع لكل سكان المشرق العربي.
2 – منهجيا لا يتطرق الكاتب الى الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مهدت لنشوء الكيان السياسي لجبل عامل بل يركز بحثه على كيفية انعكاس هذا الكيان في وعي وفكر الشيعة.
فخر الدين الثاني وجبل عامل .  تعرض له الكاتب بقسوة لفخر الدين معتبرا اياه "التلميذ الأمين لمكيافيللي" بصورة الامير المستبد وصاحب اول مشروع استقلالي من نوعه في زمن كانت فيه الامبراطورية العثمانية تدخل في طور النزاع. ويعتبرانه قبل الأمير المعني يصعب تلمس موقع واضح الملامح لجبل عامل في تاريخ المنطقة اجمالاً. كان الأمير فخر الدين  ينظر الى جبل عامل بمثابته اهراء حبوب في متناول يده لا يقاسمه فيه أمير محلي آخر. و"قلاع جبل عامل الكثيرة (الشقيف. تبنين، دبين، شمع، دير كيفا، هونين) أحوج ما يكون لها الأمير على أبواب صيدا للحجاج الأوروبيين الذين تعهد الأمير لبعض ملوك الغرب بحمايتهم في طريقهم الى بيت المقدس". 
على الصعيد السياسي: الشيعة يمنيون، والأمير فخر الدين رأس القيسيه. وصراع القيسية واليمينة في مداه آنذاك.علاقات متينة تربط شيعة جبل عامل  مع شيعة بعلبك وآل حرفوش الذين تربطهم علاقة مع باشوات دمشق الأتراك وهم يقفون الى جانب مصطفى باشا ضد الأمير فخر الدين في معركة عنجر.وذلك على عكس ما يؤكده مؤرخون اخرون مثل سعدون حماده عندما يقول  ان معركة عنجر كانت كذبة تاريخية. كل ذلك كان من الاسباب التي  تؤكد الخصومة  بين جبل لبنان وجبل عامل،بما لا يحتمل المساومة. (2)
وإن غاب فخر الدين لسنوات عن امارته فذلك لم يكن ليعني انه فشل في تحقيق مشروعه الاستقلالي لان سلطة الباب العالي لم تكن الا إسمية على جبل لبنان، مقارنة لها مع منطقة جبل عامل .
ـ العلاقة مع الشهابيين خلفاء المعنيين، لم تجمد هذا الطابع الصدامي .  بدأت متفجرة معهم منذ السنة الأولى التي تولوا فيها الحكم (1698) مع الأمير بشير الراشاني (3) وتتابعت على نفس النسق مواكبة تغير الأمراء في الجبل.وقد دفع الشيعة خسائر"بجدارة شيعية عالية". عام 1744  تمكنوا من تسجيل انتصارهم الأول على الأمير ملحم الشهابي (4) وأتبعوه بانتصار آخر عام 1749 في معركة جباع ومرجعيون (5). لم يحل ذلك دون ان يتمكن الأمير ملحم الشهابي من احراقه بعض القرى ووصوله حتى الى بلاد بشارة (6).
لقد أحدث الانتصاران الشيعيان تغييراً في "الوجه التاريخي" لمنطقة جبل عامل : وفيما ظهر النزاع اليزبكي ــ الجنبلاطي  في جبل لبنان مع قرب نهاية الأمير ملحم الشهابي بدون عقب، ونشب خلاف هذا الاخير مع باشا دمشق لتخلفه عن دفع ميري الجبل ،وبدا ظاهر العمر الزيداني على حدود جبل عامل الجنوبية على خلاف مع ابنائه من جهة ومع باشا دمشق من جهة أخرى كان جبل عامل أكثر المناطق استقراراً بعد توحده تحت قيادة ناصيف النصار.
ـ العامل الحاسم في تغير الوجه التاريخي وولادة الكيان السياسي لجبل عامل، كان وجود ظاهر العمر على الطرف الجنوبي، فقد وجد فيه العامليون الحلقة المفقودة - على الأرض طبعاً - خلال كل تاريخهم الطويل في المنطقة، وهو بدوره رأى فيهم خط دفاع عن مقاطعة صفد التي كانت هدفاً لأغلب غزوات الأمراء الشهابيين ابتداء من ،1598. لذلك رأينا ظاهر العمر بعد أن استطاع الأمير ملحم الوصول الى بلاد بشارة للمرة الأخيرة سنة 1749 "خائفاً وأخذ يجدد أسوار عكا" (7).ومع الوقت أخذ التحالف يبدو للعلن بمساعدات وخاصة في المعركتين اللتين ربح فيهما الشيعة ضد الأمير ملحم. ثم تطور سنة 1767 م (1181 هـ) الى معاهدة بين حكام المنطقة، فقد كانت كما جددها ميخائيل نقولا الصباغ "محالفة دفاعية هجومية" (8).
-التحالف مع ظاهر العمر أنزل الشيعة ولأول مرة كطرف في لعبة المنطقة، من موقع التحدي للدولة العثمانية، بوقوفهم مع علي بك الكبير حاكم مصر ومحاولته الابتعاد عن السلطنة، وقد خاض الشيعة في عامي 1770 - 1771 منفردين أو بمساهمة متكافئة مع ظاهر عمر معارك خمس كبيرة: نابلس، دمشق، الحولة، كفر رمان حارة صيدا، 
كانت معارك ضد الامير يوسف منفرداً أو متحالفاً مع عثمان باشا والي دمشق أو ابنه درويش باشا والي صيدا، وقد انتصروا فيها جميعاً واحتلوا صيدا مع ظاهر ودخلوا دمشق مع أبي الذهب قائد حملة علي بك الكبير الى سوريا (9). 
ان هذه الانتصارات  التي فاز بها الشيعة ضد أمير الجبل يوسف الشهابي وولاة الدولة العثمانية، كانت أكبر من ان يتحملوا نتائجها، فمع زوال هذا السند (ظاهر العمر) على يد الجزار، وقفوا ضائعين بلا حول ولم تنفع وفودهم وهداياهم في رد طغيان الجزار عليهم، وقد وقع عام 1780.
دخول الجزار الى جبل عامل كان أبعد أثراً مما تقف عنده الأدبيات العاملية: فترة ما بعد الجزار مع الأمير بشير الشهابي الكبير، عرفت تحولاً جذريا في علاقة جبل لبنان بجبل عامل. ففي الوقت الذي كان فيه امراء الجبل اللبناني ابتداء من فخر الدين الثاني (10) يدخلون جبل عامل غزاة جباة، دخله الأمير بشير حاكماً شرعياً باجماع مشايخه الذين اجابوه صاغرين بعد أن حدثهم عن دوره الكبير لدى سليمان باشا خليفة الجزار في ارجاعهم الى بلادهم "انهم يأمرون بكل ما يريده ويرسمه" (11). 
صحيح ان مشايخ جبل عامل انذاك كانوا محشورين في بضعة قرى من اقليم الشومر، بموجب صك الصلح الموقع بين سليمان باشا و"الطياح" في جبل عامل الذين استطاعوا بعد حركة مسلحة طويلة التخلص من سيطرة المشايخ (12)، ولكن هؤلاء "الطياح" وهم الغالبية الفلاحية في جبل عامل عادوا وانضووا تحت سيطرة المشايخ للتمكن من الوقوف في وجه السياسة الابتزازية للأمير بشير الشهابي. 
ولأول مرة يدخل الشيعة في النظام العائلي الاجتماعي لجبل لبنان وعلى رأسه الأمير بشير الشهابي "رأس سائر العشاير (12). لقد أخضع هذا الانضواء الطوعي منطقة جبل عامل للتأثيرات التي خلفتها سياسة الأمير بشير والتي كان لجبل عامل فيها اعتبارات خاصة، ليس أقلها مردودها المالي، وحاجة الأمير لها في أحداث واقعة أو مستجدة سواء منها داخل الامارة أي في صراع الأمير مع عائلات جبل لبنان أم في علاقاته مع الدولة العثمانية وباشواتها.

عام 1864 وبموجب التنظيمات الجديدة لمنطقة سوريا الحق جبل عامل بولاية بيروت،
 وهذا يعني أنه أصبح جزءاً عضوياً من ولاية شاملة متسعة على عكس وضعه السابق، وهذا ما جعل العلاقة بينه وبين لبنان تتخلى عن صداميتها العسكرية بعد "الحجر السياسي" الذي فرض على الأخير بموجب نظام المتصرفية. ولكن هذه العلاقة اتخذت مساراً جديداً لا يقل استنزافاً وصدامية: لقد أصبح جبل عامل وفلاحوه رهائن للمرابين القادمين من صوب بيروت وجبل لبنان (ال جوهر، آل غندور، آل الصلح، آل فرنسيس، آل الشمعة، آل مجدلاني، آل عودة)، وقد توكأت هذه البرجوازية في مد سيطرتها على جبل عامل على ازدهار زراعة التبغ فيه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 
وقد كان ازدهار الزراعة على حساب المزروعات الغذائية التي تقلصت وافسحت امامها أخصب الأراضي. ولكن هذه الزراعة عادت وضربت بعد احتكارها من قبل شركة الريجي الفرنسية في أول الربع الأخير من القرن التاسع عشر التي فرضت شروطاً على هذه الزراعة، لقد "أخذت الريجي بمصير زراعة التبغ في مناطق معينة وذلك ليتسنى لها حصر الانتاج في أماكن ضيقة تسهل مراقبتها لمكافحة الانتاج اللاقانوني وتهريبه، وكان كل فلاح يود زراعة التبغ مطالباً بالحصول على إذن من الشركة، ولم يكن كل فلاح قادراً على نوال هذا الإذن، فلكي يحصل الفلاح عليه كان لا بد له، وحسب نظامها من التصرف بأرض لا تقل عن خمس الهكتار وأن تكون محاطة بسياج، والا تكون المساحة الفاصلة عن المدينة بأقل من 3 كلم، وان تكون صالحة لزراعة التبغ" (14).
ان هذه الشروط مجتمعة في منطقة كجبل عامل تضيق فيه الملكية الصغيرة التي كثيراً ما تقل عن الحد المطلوب قانونياً أدت الى تدهور الزراعة، فلكي يستطيع الفلاح أن يزرع تبغاً كان عليه استئجار أرض اضافية وبأسعار عالية، وأن يستدين ليبني سياجاً، وأن "يرضي" أصحاب العلاقة ليقرروا ان كانت أرضه صالحة لزراعة التبغ،هذا التدهور أدى الى تجميع الملكيات الصغيرة أو انتقال الملكيات الكبيرة، نتيجة عمليات الربا والرهن الى أيدي قلة متمولة من خارج جبل عامل (البرجوازية البيروتية واللبنانية. آل العظم يملكون مطاحن وادي الحجير). لان الفئآت المتمكنة في جبل عامل (آل الأسعد، آل الفضل) لم تكن قادرة على تخطي اصولها الاجتماعية والدخول في شبكة العلاقات الرأسمالية. هذا بالاضافة الى الابتزاز الذي كان يفرضه منطق التبعية الاقتصادية، فقد كان أهالي جبل عامل ينهبون كمستهلكين، في نفس الوقت الذي كانوا ينهبون فيه كمنتجين عن طريق شراء محاصيلهم بالأسعار التافهة. 
ان هذه السيطرة الاقتصادية هي علاقة صدامية بحد ذاتها، فالتاجر "الأجنبي" يبقى أجنبياً دوماً، على الرغم من تبلده وسكنه في جبل عامل (آل عودة، آل فرنسيس، آل جوهر، آل مجدلاني..) وقد ترافقت هذه السيطرة بأخرى سياسية فقد أصبحت هذه البرجوازية المرجع الأول في القضايا الحاسمة في جبل عامل: ففي الخلاف الذي نشب في أواخر ستينات القرن التاسع عشر داخل أسرة آل السعد "جاء أحمد باشا الصلح. وأصلح بين الزعيمين، فأعيد تامر بك لمقاطعته وبقيت الرياسة لعلي بك" (15).
============================================
نصل مع الكاتب الى ما يمكن اعتباره بيت القصيد مع احداث 1920 وعلاقة العامليين مع الداخل والخارج

عام 1920. كان عام التحول السياسي في حياة المشرق العربي السياسية، كما كان عام الحسم بالنسبة لعلاقة جبل عامل بجواره وخاصة بجبل لبنان، وهو عام تصفية الكيان الذاتي الذي كان قد كسبه جبل عامل ابتداء من سنة ،1749 وذلك بقيام دولة لبنان الكبير، وبهذا الضم الجديد تكونت مجموعة من التناقضات على الأصعدة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ليس أقلها الشرخ السياسي اللبناني بين دعاة الوحدة السورية، واستطراداً العربية الرافضين لبنان كيانا مستقلاً، وبين دعاة لبنان المستقل، وهذان الاتجاهان السياسيان ما زالا تقريباً يلخصان الحياة السياسية في لبنان.
لقد وقف العامليون بصلابة مع الحركة العربية عام 1916 - 1920 وساهموا بفعالية في طرد الاتراك، وتابعوا عصاباتهم المسلحة ضد وجود الحلفاء وضد مشاريعهم السياسية لتقسيم سوريا، بقيادة صادق الحمزة وأدهم خنجر، وكان مطلبهم الواضح الالتحاق بالمملكة السورية."العصابات"  تمكنت من اقفال جبل عامل بوجه الفرنسيين. 
ولكن الملفت للنظر ان هذا الموقف الوطني الواعي لجماهير العامليين ينقلب في اللحظة الأخيرة ويتمحور الى هجوم على بعض القرى المسيحية (عين ابل)، بالرغم من أن العصابات العاملة في جبل عامل وخاصة كبرياتها (عصابات صادق الحمزة وأدهم خنجر) كانت حسب الكاتب أبعد ما تكون في طروحاتها عن العمل الطائفي. 
ففي مؤتمر وادي الحجير الذي انعقد في 24 نيسان 1920 "جلس صادق أمام العلماء والقرآن بين ايديهم فأخذوا عليه وعلى رجاله الايمان المغلظة ان لا يتعرض لاحد من المواطنين ابناء جبل عامل مسلمين كانوا أم مسيحيين. فأقسم بذلك واستثنى من كان مؤلباً للفرنسيين على الوطن واستقلاله، مجاهراً بذلك للغاصبين المحتلين مسلماً كان أو مسيحياً أو من أي مذهب كان لان جهادنا سياسي لا ديني "(16).
ومع الأخذ بعين الاعتبار، مواقف السلطات الفرنسية والعصابات الموالية لها في القرى المسيحية (القليعة، عين ابل)، ومواقف بعض القيادات السياسية في جبل عامل والمؤيدة للفرنسيين ومشروع لبنان الكبير، يطرح المؤلف سؤالاً :
 كيف يتحول العمل الوطني في فترة ما الى عمل طائفي؟ 
وما هي خلفيات ذلك على أرضية الواقع في جبل عامل؟
يرى ان القوى المسيحية في جبل عامل، بتعاملها مع القضايا السياسية، وخاصة الكبرى منها لم تكن أبداً منسلخة عن ميزان وتوجهات القيادة المسيحية في جبل لبنان، بل ان هذه الأخيرة شكلت على الدوام بعداً ملازماً للصراع بشكليه الكامن أو المتفجر في جبل عامل، وكانت تفرض على "الأطراف" خطها السياسي الذي اكتملت ملامحه وبرزت في أحداث 1860 والذي توسعت قاعدته أفقياً لتشمل مناطق جديدة تحتوي عناصر مسيحية لم تدخل في أحداث 1860 أو مناطق تشمل طوائف لم تدخل الأحداث بسياقها المعروف (17).
 وقد تطور هذا البعد بفعل الأحداث لان يصبح فعلاً بعداً داخلياً في جبل عامل. يفعل مباشرة في العلاقة بين الشيعة والمسيحيين أثناء أحداث 1920 والذي زاد من التصاق المسيحيين بقيادتهم العليا في جبل لبنان. 
يتوقف على وضع  بلدة عين ابل نفسها التي حسب زعمه تعرضت عام 1860 لهجوم من قبل بلدة بنت جبيل ولمحاولة حرق، وما همّ في المقياس السياسي ان "قام بها جهال في تلك الفترة" (18)، مما عزز لديهم الخوف من الداخل الشيعي الاسلامي، وهكذا فان العهود في لبنان كانت تعني الاتصال بالعمق الطائفي في جبل لبنان، الذي يحمل بذاته الرد على العمق الشيعي المحيط، وهذا يتطلب برأيهم حماية أجنبية! فكيف اذا كانت فرنسا هي الحامية!
 في هذا السياق بالضبط يأتي جواب أهل عين ابل عندما طلب منهم صادق الحمزة القاء السلاح ورفع العلم الشريفي: "انهم يهنئون الأمير بسمو مقامه ولا يمكنهم وضع سلاحهم ولا رفع العلم الا بأمر حاكمهم الفرنساوي في صور" (19).

وفي الطرف المقابل، كان الدخول في لبنان الكبير يعني بالنسبة للشيعة انسلاخاً عن واقع عربي اسلامي، يتأكد أكثر فأكثر ان لواء القيادة فيه معقود للهاشميين، الشريف حسين وأبنائه، فقد دفع شيعة جبل عامل أكثر للنضال في سبيل هذا الواقع، الأحداث الدموية المتفجرة في العراق ،1920 والتي انطلقت ضد البريطانيين مؤيدة للهاشميين من مدينة النجف بالذات. لبنان الكبير يعني جعل طائفة الشيعة بلا حول أو قوة أمام طوائف أخرى هي أكثر عدداً، وأكثر امكانيات سياسية واجتماعية واقتصادية، وأكثر استناداً الى ظهير خارجي. لبنان الكبير يعني لهم أن سياسة أمراء الجبل وابتزازتهم المالية ما زالت حية، السيطرة على جنوب جبل عامل التي طالما بهرت عيونهم، وموقف الشيعة انذاك من الشروع السياسي المطروح (لبنان الكبير) تمثله خير تمثيل كلمة الشيخ عبد الحسين صادق: "جبل (جبل لبنان) يبتلع جبلاً (جبل عامل)".
من هذه المقابلة بين الجهتين يخلص الكاتب الى ان هذه المقابلة بين الطرفين كان يزيد من حدتها، التصاق كل منهما بدائرة جغرافية واجتماعية محددة، فهي لم تكن مقابلة بين طرفين منفصلين يمكن للواحد ان يستقل عن الآخر، وبالتالي يخرج من دائرة المواجهة، اضافة الى "ان قوة الأحداث وتسارعها في تلك الفترة كانت تمنع الوصول الى حل وسط، " كما كان يحدث في بداية أحداث منتصف القرن التاسع عشر في جبل لبنان: نظام القائمقاميتين، ترتيبات شكيب أفندي، 
فبينما كانت الهتافات في عين ابل "بيبا (فيفا) لفرنسا بيبا، يحيا دين الصليبا" "فرنسا يا شعب مليح يا معزز دين المسيح"، 
كانت الهتافات في بلدة بنت جبيل المجاورة "طقوا موتوا يا عدوان البنديرة شريفية". 

"نظرة بسيطة الى هذين الهتافين ترينا التحدي المطروح من كلا الطرفين، وترينا التناقض الصارخ وعدم امكانية الالتقاء في منتصف الطريق: فالتحية لفرنسا ودين الصليب لا تستمد اساسها من "ذات" فرنسا ومن "ذات" دين الصليب، فالهتاف هنا سياسي وليس مونولجيا جماعياً يردده الأهالي ببراءة وطهارة. 
هذه الهتافات تستمد أسسها فعلاً من وجود طرف شيعي، له نظرته المغايرة من فرنسا ومن دين الصليب كمتعاون معها. وبالمقابل الهتاف الشيعي "طقوا موتوا يا عدوان البنديرة شريفية". "فالعدوان" هنا ليسوا "المغضوب عليهم" ولا "الضالين" ولا يزيد بن معاوية ولا القوات التركية الراحلة الى غير رجعة، ببساطة انهم أهل الجوار من مسيحيي المنطقة الذين يعارضون البنديرة الشريفية.
هذه العوامل التي كانت تؤثر في الوعي السياسي عند شيعة ومسيحيي منطقة جبل عامل في مواقفهم من أحداث 1920 والمشاريع السياسية المطروحة آنذاك يرى الكاتب انها  "تمد بجذورها في مسلسل التحولات التي كانت تطرأ على منطقة جبل عامل باتصالاتها وتفاعلاتها مع جبل لبنان، بعد هذا نستطيع أن نفهم كيف قيض للشكل الطائفي أن يصبغ بصبغته عملاً وطنياً كبيراً للعامليين عام 1920." ويتابع :"هذا الشكل الطائفي بدوره شكل مدخلاً للقوات الفرنسية لاحتلال جبل عامل بعد أن أصبح لديها دليل تثبت من خلاله حقها في حماية الأقلية المسيحية، ليستنتج :"فعلاً جردت فرنسا حملة، على جبل عامل بقيادة الكولونيل "نيجر" مارست ضروب القتل والنهب والتدمير (20) والارهاب السياسي والفكري، هذا الارهاب الذي استمر حتى ثلاثينات القرن الحالي والذي دفع بشاعر عاملي، عبد الحسين عبد الله، ان يحسد كلاباً على مزبلة:
يهنيكم يا كلاب الحي أنكم لا تشعرون ببشكوف ولا جان " مستغربا " ان الدولة اللبنانية كافأت الكولونيل "نيجر" وأطلقت اسمه على أحد شوارع العاصمة." في مقابل استغراب الطرف الاخر اطلاق اسماء رؤساء العصابات ( ادهم خنجر ) على امكنة عامة رسمية او شبه رسمية !!

بعض مراجع البحث
1- PERRIER Ferdinand, La Syrie sous le gouvernement de Mehemet Ali, Paris, 1842, p234.
2 - للحصول على تفاصيل عن المعارك راجع: علي الزين، للبحث عن تاريخنا في لبنان، بيروت، 1973 ص 254 - 265.
3 - راجع حيدر أحمد شهاب، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، بيروت، ،1933 ص ،8 منير الخوري، صيدا عبر حقب التاريخ، بيروت، ،1964 ص 259.
4 - حيدر شهاب، المرجع السابق ص ،34 سليمان ظاهر، العرفان، مجلد ،28 ص 346.
5 - للحصول على تفاصيل وافية راجع حيدر شهاب، المرجع السابق، ص ،41 سليمان ظاهر، العرفان، مجلد ،28 ص ،348 طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان، مجلد 2 ص ،29 علي الزين، المرجع السابق، ص 440 - 443.
6 - راجع حيدر أحمد شهاب، مرجع سابق ص 43.
7 - راجع حيدر أحمد شهاب، مرجع سابق ص 43.
8 - ميخائيل نقولا الصباغ، تاريخ ظاهر العمر، حريصا، من دون تاريخ طبع، ص 39.
9 - للحصول على تفاصيل واسعة عن هذه المعارك راجع: مخائيل بريك، تاريخ الشام، حريصا، ،1930 ص 94 - ،96 وحيدر أحمد شهاب، مرجع سابق، ص 85 وVolney: Voyage en egypte et la Syrie pendantles années 1783, 1784 et 1785 T. 2, p17. وادوار لاكروا، تاريخ أحمد باشا الجزار، تعريب جورج مسرة، ساو باولو، ،1924 ص ،29 ميخائيل نقولا الصباغ، مرجع سابق ص 99 - ،102 حيدر رضا الركيني، جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد ،28 ص 54 - 55. علي الزين، مرجع سابق، ص 510 - ،511 عيسى اسكندر المعلوف، دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف، بعبدا، 1907 - ،1908 ص ،207 طنوس الشدياق مرجع مذكور، ص 43.
10 - من المؤرخين من يجعل حكم المعنيين لجبل عامل مباشرة بعد معركة مرج دابق 1516: راجع قرألي بولس، تاريخ فخر الدين المعني ص 92 - 93. أما الدكتور كمال الصليبي في بحثه "حول نسب فخر الدين" المنشور في جريدة النهار عددي 31 تموز و14 آب 1966 فيجعل السيطرة مع الأمير فخر الدين المعني.
11 - راجع ابراهيم العورة، تاريخ ولاية سليمان باشا العادل، صيدا، لبنان، 1930 ص 44.
12 - راجع ابراهيم العورة، تاريخ ولاية سليمان باشا العادل، صيدا، لبنان، 1930 ص 142 - 143.
13 - ميخائيل مشاقة مرجع مذكور، ص 38.
14 - بدر الدين السباعي، أضواء على الرأسمال الأجنبي في سوريا، دمشق، ،1967 ص 43.
15 - محمد جابر آل صفا، تاريخ جبل عامل، دار متن اللغة، ص 59.
16 - أحمد رضا، العرفان، مجلد ،33 جزء ،9 ص 989.
17 - راجع وضاح شرارة، في أصول لبنان الطائفي اليميني الجماهيري اللبناني، بيروت ص 111 - 113.
18 - الشيخ محمد مهدي مغنية، جواهر الحكم، مخطوطة غير منشورة.
19 - كليمنتين خياط، المشرق، مجلد ،18 ص 781.
20 - للحصول على تفاصيل وافية عن أعمال الحملة، راجع العرفان، مجلد ،33 جزء ،6 ص 609 -610 عن لسان متطوع ساهم في أعمال الحملة

vendredi 8 mai 2020

"شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ،دار النهار ٢٠١٠"

Bonjour de Ainebel,Kifkon ya shabe محرقة عين ابل ٥ ايار ١٩٢٠
محرقة عين ابل بأقلام مؤرخي جبل عامل

وراءها بقايا عثمانيين وعصابات

من  كتاب تمارا الشلبي :

"شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ،دار النهار ٢٠١٠" .

كتابة التاريخ تعوزها الموضوعية والرصانة ، وحب للحقيقة حتى ولو جاءت نتيجتها مخالفة للمصالح الشخصية!!
١- في كتاب "شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ١٩١٨- ١٩٤٣" الصادر عن دار النهار " قبل عشر سنوات (٢٠١٠) للمؤلفة تمارا الشلبي يتوقف القارىء معها على حقائق قلما تم التطرق اليها بتلك الصراحة والموضوعية اللتين يمكن ان يتحلى بهما باحث في تاريخ الاحداث اللبنانية المأسوية. لا سيما وان مؤلفة الكتاب تحسب مبدئيا من حيث فعل الواقعة والقراءة التاريخية لما سمي ب " محرقة عين ابل ، هولوكوست الخامس من ايار ١٩٢٠"  في موضع الفريق الفاعل لا الضحية. هكذا توهمت انا  مسبقا قبل الشروع في القراءة. ولكن مع ذلك فوجئت انه كان للمؤلفة من الموضوعية والجرأة ما جعلها تستحق بجدارة صفة مؤرخة . لم تستحق وحدها هذه الصفة وحسب. بل شاركها فيها ايضا مقدم الكتاب الدكتور والباحث في التاريخ منذر جابر ، خاصة وانه هو الذي يسجل على رصيده الثقافي احد اكثر الابحاث المعتمد عليها لدرس موضوع " مؤتمر وادي الحجير ".هذا الحدث  التاريخي الذي وقع قبل قرن كامل بالتمام في -٢٤ نيسان عام ١٩٢٠ ، وكان من اثاره تاريخ اخر جديد للبنان الكبير، وما استتبعه بعد ايام من حدث مأسوي لا يزال يشكل جرحا عميقا في الوجدان اللبناني عامة والوجدان الشيعي بنوع خاص، عنيت به " مذبحة عين ابل" في الخامس من ايار من السنة عينها .
٢- ان ما شدني الى متابعة قراءة هذا الكتاب انما هو الصراحة والموضوعية التي بدت لي ، بعد ان توقعت غير ذلك ، لا سيما وانه يفترض بالمؤلفة ان تتماهى بالفاعل المتجانس معها طائفيا في الفعل وفقا لاكثر من ذريعة في ما يعني الانحياز للضحية او الجلاد في لغة علماء الانتروبولوجيا والتاريخ .
تتبعت في الكتاب قضية مأساة عين ابل التي وقعت عام ١٩٢٠ اثر مؤتمر الحجير الذي ضم مئات الشخصيات الشيعية لتقرير مصير ما يعرف اليوم بجنوب لبنان ، جبل عامل.
تشدني الفضولية الى معرفة حقيقة العصابات الشيعية التي وقعت على يدها محرقة عين ابل ، البلدة المسيحية الواقعة عند اخر الحدود الجنوبية من لبنان الكبير الحالي. وكان لي من بين الضحايا الماية اقرباء وجيران ، اطفال وشيوخ ونساء وعدد اقل من شباب تسلحوا بما استطاعوا اليه سبيلا من اموالهم الخاصة دفاعا عن نفس وعرض وبيت .
- بخلاصة مطالعة هذا الكتاب سجلت بعض النقاط التي تهمني مما له صلة بالعنف والارهاب ، وبظاهرة التسلح وتشكيل العصابات والعصبية والعنف مما لفتني ويندرج ضمن اهتمام القارئ اللبناني الساعي الى معرفة الحقيقة. فكان منها ما يلي:
١- حول ظاهرة انتشار السلاح بين ايدي عناصر العصابات بعد انهزام الجيش العثماني امام جيوش الحلفاء في لبنان وسوريا في اعقاب الحرب العالمية الاولى ومسؤولية الامير فيصل وحكومته العربية مباشرة وخصوصا مسؤولية شقيقه الامير عبدالله في شرقي الاردن .تخلص المؤرخة تمارا الشلبي في كتابها المشار اليه واستنادا الى صحيفة البشير التي رافقت القوات الفرنسية الى جنوب لبنان الى ان " المحور الرئيسي للعمليات العسكرية للعصابات كان يمر عبر حاصبيا وراشيا ، وهذا ما اتاح لها ان تقيم اتصالا مباشرا مع دمشق مرورا بجبل الدروز" (راجع ايضا "مجلة العرفان ٣٣ ص ٢٥٦).
"يذكر احمد رضا اسماء ضباط في الجيش العربي ( يقومون بدور التدريب والتوحيه) مثل علي خلقي واحمد مريود وسعيد العاص كانوا يتواجدون مع العصابات في بعض القرى العاملية قرب جسر الخردلي" ( ص ١٥٩)
- تستند الى كتاب "يقظة العرب " لجورج انطونيوس لتشير الى " شكل من اشكال تدخل فيصل في اعمال العصابات وتغاضيه عن مهاجمة بعض الضباط العرب لمواقع قرب الحدود الجنوبية اللبنانية . كما يدلل مؤرخ اخر مثل قدري قلعجي على دعم فيصل للعصابات برسالة بعث بها الجنرال غورو يتهمه فيها بمساندة العصابات وتدريبها كما افاد قائد الفرقة الثالثة للجيش العربي قرب حلب. (ص ١٥٩)،
٢- العصابات :تروي الكاتبة انه في تلك المرحلة بين ١٩١٩- ١٩٢٠ كانت تتواجد في جبل عامل اكثر من ١٢ عصابة .ثلاثة من قادة تلك العصابات كانوا اكثر شهرة من بين الاخرين وهم: ادهم خنجر،صادق حمزة، محمود الاحمد بزي،. وجميعهم ينتمون الى عائلات جنوبية معروفة. توضح تمارا الشلبي انه" لم يكن واضحا انغماس هؤلاء القادة في الجهاد القومي" مشيرة الى ان الصدامات مع الجيش الفرنسي كانت تترافق مع " عمليات سلب ونهب للقرى والقوافل على طرقات جبل عامل، " . وفي رواية شائعة كان صادق الحمزة يقوم بسرقة موظفي الحكومة المكلفين بجباية الضرائب ،ثم يعيد توزيعها على اهالي القرى " ( ص ١٦٠) . يشير الشيخ سليمان ظاهر ان افراد العصابات العاملية هذه حولت نشاطها مع مرور الزمن من اعمال السلب والنهب وقطع الطرقات مع عصابات البدو الى مقاتلة الفرنسيين . وهذا ما جرى على جسر الخردلي ( تقرير بتاريخ ٩ تشرين الثاني ١٩١٩ ) .
-في موازاة تلك الاحداث كانت صحف اخرى تصف العصابات حرفيا باللصوص وقطاع الطرق . عموما لم تكن التقارير الصحفية تعطي انطباعا بان العصابات كانت حركة ثورية ولها اتباعها في جبل عامل.
٣- وبخصوص صادق الحمزة تحديدا ترى الكاتبة ان اصوله تعود الى عائلة آل الصغير ولكنه غير معترف بمكانته من قبل فرع الزعامة القائدة في هذه العائلة اي فرع آل الاسعد . لذلك حاول الزعيم كامل الاسعد عضو البرلمان العثماني ، من ضمن سياسة العصبية الحزبية، اعادة توطيد مركزه بدعمه قيام جماعات مسلحة اخرى مناهضة لصادق الحمزة تساعد الفرنسيين في حربهم ضده . من هنا كان تعاونه مع الجنرال شاربنتيه الفرنسي من اجل تشكيل "حرس وطني" من متطوعي الشيعة من اجل موازنة العصابات والوقوف في وجهها. (المرجع نفسه ص ١٦٢).
٤- امام هذا التخبط الاهلي حيال الموقف من العصابات وخاصة عندما طاولت اعمالها العلاقات الشيعية المسيحية وجّه اعيان شيعيون شرفاء من جبل عامل رسالة الى صادق الحمزه يستحلفونه فيها ان يكف عن الهجوم على القرى المسيحية في منطقة الشقيف ، خوفا من ان يؤول ذلك الى خراب الوطن ويحول دون السعي الى التفاهم بين الطوائف الاسلامية والمسيحية، والذي من دونه حسب تعبيرهم " لا يرجع الوطن الى ما كان عليه من الامان والراحة الا باتفاقهما" . كما يذكر احمد رضا في مذكراته ، (العرفان م ٣٤ عدد ٣ ص ٣٥٤ )، مضيفا الى ذلك بكلام جد مؤثر يوجهه الى قادة العصابات : 
" نستحلفكم بالله والشرف ان تكفوا . فقد لبست الشيعة ثوب العار بنظر العالم المتمدن" .( ص ١٦٣ ) .
تتابع تمارا الشلبي في كتابها حول العصابات  العصابات انها كانت  تستند ايضا الى دعم غير مباشر من دمشق من خلال العشائرية والعائلية اكثر من استنادها الى الزعماء السياسيين .
٥- في تلك الجواء من شهر نيسان انعقد مؤتمر وادي الحجير (٢٠ نيسان ١٩٢٠) ليكون حدثا اشكاليا في الخطاب الشيعي، مظهرا مدى محدودية نفوذ الزعماء لصالح العصابات . فيه " كررت القيادة العاملية الغلطة ذاتها بمؤازرتها لحكومة فيصل العربية .." ( المرجع نفسه ص ١٦٥)
- كان من ثغرات هذا المؤتمر انه جاء اجتماعا طائفيا يلتقي فيه شيعة جبل عامل وحدهم من دون ممثلين عن الطوائف الاخرى ، للبحث في مصير وطني مشترك .
- من جهة ثانية جاء المؤتمر بمثابة تنازل من قبل الزعامة الشيعية المدنية التقليدية لصالح العصابات وحلفائهم من زعماء القبائل البدوية ، بعد ان رفض رؤساء العصابات عقد المؤتمر في الطيبة مقر ال الاسعد التاريخي، مما رجح كفة رؤساء هذه العصابات في التأثير على رجال الدين الذين باتوا ينفذون ارادة العصابات ولا يستوحون الروح الوطنية الصحيحة،بل روحا قبلية اصولية تمثلت بالفتوى التي ذكر انها صدرت بالفعل عن رئيس المؤتمر، ولم توفر من اهدافها لا النساء ولا الاطفال خلافا لكل شريعة ، كما اظهرت عملية التنفيذ كما ظهرت فعليا في تنفيذ مجزرة عين ابل وسواها من القرى المسيحية في جبل عامل بعد اقل من اسبوعين على صدور الفتوى . فتوى اكد صدورها عن قيادة المؤتمر مطران صور للروم الكاثوليك مكسيموس الصايغ ، ثم لاحقا برقية صادرة عن الجنرال غورو بذاته الى وزارة الحرب الفرنسية في باريس.( موثقة )
٦ - طمسا لحقيقة ما جرى داخل المؤتمر تشير تمارا الشلبي بصورة جريئة وملفتة الى " الاغفال شبه التام وعدم الحديث -عن هذا الحدث التاريخي- في المصادر العاملية الاولية التي تؤرخ للمرحلة . فبالاضافة الى السكوت المتعمد للجنة المكلفة بتدوين محاضر جلسات المؤتمر والى فقدان المحضر الاساسي الموقع من قبل الرؤساء الدينيين والزعامات وقيادات العصابات ....لا تشير هذه المراجع الى المؤتمر الا بعد حصول المجازر بحق المسيحيين ومن دون اية تفصيلات عن المداولات داخل المؤتمر ...( ص ١٦٦)
- السيد عبد الحسين شرف الدين رئيس المؤتمر كتب مذكراته بعد سنوات من عقده . من هنا تستنتج المؤلفة ان الاختصار في الرواية كان سمة اساسية في رواية محمد جابر ، كما لدى اعلام الثقافة في جبل عامل الذين " يبذلون جهدا متناغما لاعادة كتابة الاحداث التي تمحورت حول مؤتمر وادي الحجير ، اقرارا منهم بحساسية القرارات المتخذة اثناءه وبخاصة بعد ما نتج عنها من محرقة عين ابل. وبعدما بات الواقع السياسي الجديد لجبل عامل جزءا من الدولة اللبنانية ، بحيث بات محو تلك الوصمة من سجل الجماعة مهمة ملحة . لذا كان شبه الاجماع العاملي على تغيير الحقائق ،مع انه ليس بالامر السهل اعادة تركيب الاحداث التي ادت الى انعقاد المؤتمر واحاطت بنتائجه. " كما تقول ( المرجع نفسه ص ١٦٥- ٦٦) .
وما يدهش في تأكيد هذا العرض الصادم بحقيقته وبما ينطوي عليه من مأساة تاريخية هو ان مقدم كتاب تمارا شلبي هذا الذي نحن بصدد الاعتماد على مضمونه في عرض موضوعنا ما هو الا المؤرخ العاملي المعروف بأبحاثه الرصينة ، عنيت به الدكتور منذر محمود جابر صاحب ابرز اطروحة جامعية في موضوع مؤتمر الحجير. مما يضفي على عرض المؤرخة تمارا شلبي مصداقية اضافية على مضمون ما اوردته بخصوص محرقة عين ابل.
جزء ١
ويتبع جزء ٢

ج- ت خريش

samedi 2 mai 2020

قراءة في الحق والحقيقة ،انتصار الضحية وانتحار الحاكمية



 منذ ألفي عام تقريباً، جرت محاكمة يسوع وإدانته من قبل من تمرسوا بالحكم والشريعة ، ورفضوا تقبل رسالة المحبة والسلام. في الواقع، لقد واجه يسوع ، وهو القائل :" انا الطريق والحق والحياة " ، ست محاكمات في أقل من يوم واحد، ثلاث منها دينية، وثلاث اخرى مدنية سياسية .
وفي النهاية، إستطاع عدد قليل فقط ممن إشتركوا في هذه الأحداث أن يجيبوا على سؤال ليلاطس الحاكم : ما هو الحق والحقيقة؟؟
اولا : "ما هو الحقيقة والحق ، سؤال بيلاطس ؟"
- بعد إلقاء القبض على يسوع إقتيد أولاً إلى رجل يدعى حنانيا، وكان هذا رئيس كهنة سابق . اثناء المحاكمة قام حنانيا بتجاوز العديد من قوانين الشريعة ، منها : إجراء المحاكمة في بيته، ومحاولته الملتوية بجعل المتهم يوجه لنفسه الإتهام، ثم ضرب المتهم، وكل ذلك قبل اثبات اي جريمة تذكر بعد على المتهم .
- بعد المثول امام حنانيا، إقتيد يسوع للوقوف أمام رئيس الكهنة ، قيافا، الذي صودف أنه كان زوج إبنة حنانيا. وأمام قيافا والمجمع (السنهدريم ) تقدم العديد من شهود الزور ليدلوا بشهاداتهم ، ولكنهم لم يتمكنوا من إثبات أي جرم على المتهم لانهم لم يجدوا دليلا على خطأ ارتكبه .في تلك المحاكمة خالف قيافا سبع قوانين على الأقل ضد اصول المحاكمات :
(1) عقد المحاكمة سراً؛
(2) عقد المحاكمة ليلاً؛
(3) ادخال الرشوة على المحاكمة ؛
(4) غياب الدفاع عن المتهم؛
(5) عدم وجود شاهدين أو ثلاثة؛
(6) إستخدام شهادة المتهم لإدانته؛
(7) اصدار عقوبة الإعدام وتنفيذها بحق المتهم في اليوم نفسه.
كل هذه الأجراءات كانت ممنوعة مبدئيا في الناموس اليهودي. ولكن بالرغم من ذلك، أعلن قيافا إدانة يسوع، لأنه قال عن نفسه انه ابن الله في الجسد، وهو ما اعتبره قيافا تجديفاً فظيعا .
- عند الصباح، أجريت محاكمة ثالثة ، انتهت باعلان المجمع ( السنهدريم) القضاء بالاعدام على المتهم. ولكن بالعودة الى قوانين ذلك المجلس يتبين انه لم يكن له الحق مطلقا بتنفيذ عقوبة الإعدام ، فأضطر الى أن يسلم يسوع إلى الحاكم الروماني الذي كان في ذلك الزمان بيلاطس البنطي والذي كان الامبراطور طيباريوس قيصر قد عينه حاكما خامسا على اليهودية في ذلك المنصب عام 26-36 م. علما ان الحاكم الروماني كان يملك السلطة بالقضاء حياة او موتا على اي كان من رعايا ولايته ، وكان بالتالي يعود اليه الحق بإبطال عقوبة الإعدام الصادرة عن السنهدريم اذا ما شاء ذلك.
- عندما مثل يسوع أمام بيلاطس، كال له اعداؤه المزيد من الأكاذيب من مثل : "إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ" قَائِلين: "إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ" (لوقا 23: 2). وكان هذا كذباً وافتراء ، لأن يسوع كان قد قال للجميع بأن يؤدوا "ما لقيصر لقيصر وما لله لله " (متى 22: 21) ولم يتحدث أبداً عن نفسه كمنافس لقيصر.

- بعد هذا جرى حوار لافت بين يسوع وبيلاطس في دار الولاية حيث "دَخَلَ بِيلاَطُسُ وَدَعَا يَسُوعَ قائلا: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟
أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟
أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا.
فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟
أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي.
قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: مَا هُوَ الْحَقُّ؟" (يوحنا 18: 33-38).

- سؤال بيلاطس هذا لا يزال يتردد صداه عبر التاريخ : "ما هو الحق والحقيقة ؟".
هل كان ذلك رغبة دفينة منه لمعرفة ما لا يستطيع آخر أن يدلي به، أم إهانة ساخرة، أم ربما إجابة لامبالية أو غاضبة من ذي سلطان ؟
من الواضح أن بيلاطس لم يصل إلى معرفة الحق والحقيقة. لذلك فانه ، كما سجل يوسابيوس المؤرخ وأسقف قيصرية، إنتحر في النهاية أثناء حكم الإمبراطور كاليجولا . فكانت نهاية مؤسفة وعبرة للجميع بأن تجاهل الحق والحقيقة يقود دائماً إلى نتائج غير محمودة.
إعتقد بيلاطس وقادة اليهود أنهم يحكمون على المسيح، بينما في الحقيقة، كانوا هم الذين يُحاكَمُون.

ان عالم ما بعد الحداثة الذي ينكر إمكانية معرفة الحق والحقيقة ، يظل يهجس بهذا السؤال البالغ الاهمية والمطروح دائما على الضمير !

ثانيا : ما هو الحق، ما هي الحقيقة في مدارس فلسفية ؟
١•- هل الحق والحقيقة هما كل صالح ومفيد؟ - في الفلسفة البراجماتية العملية ، الغاية تبرر الوسيلة . وقد تكون الأكاذيب بالتالي "نافعة" من وجهة نظر ولكنها تظل أكاذيب لا حقيقة..
- الحق ليس ببساطة ما هو ثابت يقيني، مفهوم. يمكن أن تلتقي مجموعة من الناس على امر ما فيشكلون منه مؤامرة، استنادا على مجموعة من الأكاذيب او يتفق جميعهم على رواية امر ما زورا وبهتانا ، ولكن كل ذلك لا يجعل مما يقدمونه امرا حقيقيا.
• الحق ليس ما يحمل الى الشعور بالموافقة والقبول او الرضا . قد تكون الأخبار سيئة غير مقبولة ولكن وقعية صادقة.
• الحق ليس ما تُجمع الأكثرية العددية على اعتبار أنه حق.
• الحق ليس ما يبدو شاملا او كاملا. يمكن أن يخلص عرض مفصل ما إلى نتيجة مزيفة وخاطئة أيضاً.
• الحق لا يتم تعريفه بالنوايا. قد تكون النوايا الحسنة خاطئة.
• الحق ليس ببساطة ما هو قابل للتصديق. فالكذبة التي يتم تصديقها تظل كذبة.
• الحق ليس ما يثبت في الجهر والعلن . يمكن أن يعرف الحق في السر والخفية. (مثلاً: مكان كنز مدفون).

٢- إن كلمة "الحق" veritas باللاتينية ،وكلمة alētheia باليونانية و" قوشتو" بالسريانية تعني " الحق" القائم والموجود دائماً، والمتاح لنظر الجميع . كذلك في اللغة العربية تحمل كلمة "قائم وقيوم" معنى "التماسك" و "الثبات" و "الدوام". هذا التعريف يشير إلى امر ما أو كيان أبدي يمكن الإعتماد عليه.
من وجهة نظر فلسفية توجد ثلاث تعريفات بسيطة للحق:
1. الحق هو ما ينسجم مع الحقيقة.
2. الحق هو ما ينسجم مع موضوعه.
3. الحق هو عرض الواقع كما هو.

-الحق ينسجم مع الحقيقة والواقع والطبيعة . إنه حقيقي واقعي طبيعي .
بكلمات أخرى، إنه يتفق ويتسق مع موضوعه، ويعرف بمرجعيته ومستنده ،
-الحق ببساطة هو عرض الأمر كما هو؛ إنه حقيقة الأشياء، هو التمييز بين الحقيقة والخطأ، أو بعبارة توما الإكويني البسيطة : "إن التمييز هو مهمة الفلاسفة ، الحكماء" .

ثالثا: تحديات الحق والحقيقة

هناك عدد من الفلسفات والنظريات العالمية التي تقدم تحديدا لمفهوم الحقيقة، ولكن عندما يتم فحص كل منها يتضح أنها بطبيعتها غير مكتملة .
١- فلسفة النسبية relativisme تقول بأن كل الحقيقة نسبية ولا يوجد ما يسمى حقيقة مطلقة. ولكن علينا أن نسأل: هل الإدعاء بأن "كل الحقيقة نسبية" هو حقيقة نسبية أم مطلقة؟
إذا كان هذا الإدعاء بحقيقة نسبية، فهو اذا لا معنى له؛ فكيف نعرف متى وأين نطبقه؟ وإذا كان حقيقة مطلقة ، يكون الحق المطلق موجودا اذا.
- وفوق ذلك، إن من يؤمن بالنسبية يناقض موقفه بذاته عندما يقرر أن موقف من يؤمن بالمطلق خاطىء.
– لماذا لا يكون من يقولون بوجود الحق المطلق على صواب أيضاً؟ أي أنه في الواقع، عندما يقول من يؤمن بالنسبية "لا يوجد حق" فإنه يطالبك بألا تصدقه وأفضل شيء هنا هو أن تصغي لما ينصحك به.
- يقول الفيلسوف ابن رشد: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي الكافر خطأ يحتمل الصواب. فاذا كان الكافر جزاؤه القتل شرعا، فكل منا يستحق الموت. ولكن بدلا من ان نتكافر ونتقاتل ، دعنا نتحاور ....

٢- إن من يتبعون فلسفة الشك، scepticisme - اللاأدرية - ، هم ببساطة يشكون في كل الحق. ولكن هل يشك في ما يدعي أنه حق؟
في هذه الحالة، لماذا نعير الشكك أي إهتمام؟ وإذا كان الأمر غير ذلك، فيمكننا أن نتأكد من أمر واحد على الأقل (بكلمات أخرى، يوجد حق مطلق)
– إن الشكك، في هذه الحالة يصبح هو الحق المطلق. يقول اللاأدري أنك لا يمكن أن تعرف الحق. لكن الفكر نفسه يدحض هذا لأنه يدعي حقيقة واحدة على الاقل: أنك لا يمكن أن تعرف الحق.

٣- إن أتباع ما بعد الحداثة post modernisme لا يؤكدون أية حقيقة معينة. فريدريك نيتشه وصف الحق بأنه جيش متحرك من الإستعارات، والكنايات، والتشبيهات ... الحقائق هي أوهام ..نقود مالية معدنية ، بهتت الصورة عليها وصارت مجرد قطع معدنية، لم تعد لها قيمة نقدية مالية. . ومن السخرية، أنه رغم أن أتباع ما بعد الحداثة يمسكون في إيديهم نقودا صارت الآن "مجرد قطع معدنية" فإنهم يؤكدون على الأقل حقيقة واحدة : يجب عدم تأكيد أية حقيقة.

٤-التعددية : pluralisme هي من النظريات العالمية الرائجة. تقول بأن جميع الحقائق متساوية في مصداقيتها. بالطبع انه أمر مستحيل. فهل يمكن لإدعائين – أحدهما يقول بأن سيدة ما تحمل طفلاً، والآخر يقول أنها ليست حاملاً – أن يكون كلاهما صادقاً في الوقت نفسه؟ .
- التعددية هي توجه فكري يرحب بالتسامح. ولكنها تخلط بين فكرة تساوي الجميع في القيمة وبين تساوي مصداقية كل ما يزعم أنه حق . ببساطة، قد يكون جميع الناس متساوين، ولكن ليست كل إدعاءات الحق كذلك.
- تفشل التعددية في إدراك الفرق بين الرأي والحق، وهو تمييز يقول عنه موريس آدلر: "التعددية مرغوبة ومحتملة فقط في المجالات المتعلقة بالذوق لا في الأمور المتعلقة بحقيقة الوجود والواقع.

رابعا: الحقيقة المستفز ّة
عندما توجه إهانة الى مفهوم الحقيقة، يكون ذلك عادة لسبب أو أكثر من الأسباب الآتية:

-من الإتهامات الشائعة ضد أي شخص يدعي إمتلاك الحق المطلق في أمور الدين والعقيدة هو أن مثل هذا الموقف يعتبر "ضيق الأفق". ولكن، يفشل الناقد عندما يحكم بأن الحق بطبيعته محدود. فهل يعتبر معلم الرياضيات ضيق الأفق بتمسكه بالإعتقاد أن 2 + 2 تساوي 4 فقط؟

- من الإعتراضات الأخرى على الحقيقة هو أنه من الغرور بمكان الإدعاء بأن شخصا ما على صواب والآخر على خطأ. ولكن، بالرجوع إلى المثال السابق في الرياضيات، فهل من الغرور أن يصر معلم الرياضيات على إجابة وحيدة صحيحة لمسألة حسابية؟ وهل من الغرور أن يصر صانع المفاتيح على أن مفتاحاً واحداً فقط يفتح باباً مغلقاً؟

- رد آخر على من يتمسكون بالحقيقة المطلقة في أمور العقيدة والدين هو أن مثل هذا الموقف يستبعد الآخرين بدلاً من أن يحتويهم. ولكن مثل هذا الإعتراض لا يدرك أن الحقيقة بطبيعتها تستبعد ما هو ضدها. فكل الإجابات تستبعد ما عدا الاجابة بان حقيقة رقم 4 هي مجموع 2 + 2.

- إعتراض آخر ضد الحقيقة هو أن الإدعاء بإمتلاك الحق هو أمر مستفز ومسبب للإنقسام. الحق أيضاً لا يتأثر بدرجة الإخلاص. إن من يمسك بزجاجة سم معتقداً بإخلاص أنها عصير ليمون سيعاني مع ذلك من تأثيرات السم المؤسفة.
- الحقيقة لا تتأثر بالرغبة. قد يرغب شخص ما بشدة ألا يكون بنزين سيارته قد نفذ، ولكن إذا دل المؤشر على أن خزان الوقود فارغ فلن تسير السيارة، ولا يمكن لأي رغبة في العالم أن تجعل السيارة تستمر في سيرها.

- الايجابية المنطقية : قد يؤمن البعض بوجود حقيقة مطلقة، ولكن هذا الموقف يصح فقط في مجال العلوم وليس في أمور العقيدة والدين. هذه فلسفة تعرف بإسم الإيجابية المنطقية، سار عليها فلاسفة مثل ديفيد هيوم . يؤمنون بفكرة أن العلم فقط يمكن أن يصنع الحقيقة ولا يدركون أنه توجد مجالات عديدة للحقيقة يعجز عنها العلم.
مثلاً:
• العلم لا يستطيع إثبات مبادئ الرياضيات والمنطق لأنه يفترضها مسبقاً.
• العلم لا يستطيع إثبات الحقائق الماورائية الميتافيزيقية مثل وجود عقول بجانب عقلي.
• العلم لا يستطيع تقديم الحقيقة في مجال الأخلاق والمبادىء. .
• العلم لا يستطيع تقرير الحقائق في مجال الجمال مثل جمال شروق الشمس.
• أخيراً، عندما يقول شخص ما : "العلم هو المصدر الوحيد للحقيقة الموضوعية" فإنه بهذا يقدم إدعاء فلسفيا .وهو ادعاء لا يمكن قياسه بالعلم .
- هناك من يقول أن الحقيقة المطلقة لا تنطبق على مجال الأخلاق. لكن إجابة السؤال القائل: "هل من الأخلاق تعذيب وقتل طفل بريء؟" هي مطلقة وكونية: كلا. أو بصورة شخصية أكثر، من يتبنون الحق النسبي بشأن الأخلاق يبدو أنهم دائماً يريدون أن يكون شريك حياتهم أميناً بصورة مطلقة لهم.

الخلاصة
إن السؤال الذي طرحه بيلاطس البنطي منذ قرون مضت يجب إعادة صياغته لكي يكون دقيقاً بصورة كاملة. إن عبارة الحاكم الروماني: "ما هو الحق؟" تغفل النظر عن حقيقة أن أشياء كثيرة قد تحتوي على حقيقة، ولكن شيئا واحدا يمكن أن يكون هو الحق والحقيقة . ويجب أن ينبع من مصدر ما.

الحقيقة القاسية هي أن بيلاطس كان منذ أكثر من ألفي عام ينظر مباشرة إلى مصدر من قال عبارته البسيطة: "أنا هو الحق" (يوحنا 14: 6).
عبارة مدهشة. من يمكن أن يكون قائلها ما لم يكن أكثر من مجرد إنسان. (رومية 1: 4)
الحقيقة اذا عرفناها عرفنا معها الحرية .
"تعرفون الحق والحق يحرركم" ( يوحنا 38: 8) ومع الحرية نعرف العدالة والمساواة وسائر القيم الانسانية

mercredi 29 avril 2020

رسالة الإله بعل رسالة سلام ومحبة

رسالة سلام  ومحبة

نشيد من بين اناشيد أوغاريت 
بعنوان " رسالة من بعل " [ ابولون ] 
الى سكان الارض 
فيها يدعو البشر للابتعاد عن الحرب ، 
 لتعم الجميع قيم المحبّة والسلام .

في مقدمة الدعاء كلام موجه الى الإلهة [عناة] 
فيما صدرها مزدان بالمرجان
علامة ورع المنتصر بعل
ومودّة [فدريا] ابنة ماء السماء
وحبّ [طليا] ابنة الندى
وتقوى [أرضيا] ابنة العالم الرحب.

ببسالة الفتيان أُدخلْ
وعند قدمي [عناة] قدّم الاحترام
وانحنِ أكراما  لها
ثم انشد لـ (عديلة)  الأم
رسالة المنتصر الشجاع :

الحرب في الأرض  ليست من مشيئتي
ببذار المحبّة شق  الثرى
اسكب السلام في كبد الأرض
والعسل في جوف الحقول
الق جانبا عصاك  وسلاحك
ولتسارع قدماك  نحوي
نحوي فلتسارع خطاك
لأنّه  لك مني رسالة 
وكلمة ألقيها اليك
إنّها رسالة الشجر
ووشوشة الحجر
وهمس السموات للأرض
والمحيطات للنجوم.

لدلك ها اني  مرسل البرق والرعد
علامة في الفضاء
لكي تصل بهما رسالتي 
الى جميع سكّان الأرض !!
______________________________
ترجمة بتضرف من :
G. R. DRIVER, Canaanite Myths and Legends, Edinburgh 1956,
 
 «الميثولوجيا والأساطير الكنعانية» 1956


dimanche 8 mars 2020

Prouesse du Chevalier Toufik Khoreich - souvenir de Mr E Sakr •MOV 0285

Bonjour de Ainebel,Kifkon ya shabeeb!!








 

صورة  فوتوغرافية لعائلة عين ابلية تم التقاطها بعد  اشهر من وقوع مجزرة عين ابل بتاريخ يوم الاربعاء الواقع فيه 5ايار 1920 .

 الطفل خليل الذي يظهر بين ذراعي والده يوسف خليل اغا الشماس خريش تمت ولادته خلال الاسبوع الثالث من شهر ايار اي بعد وقوع المجزرة بايام اثناء لجوء والدته مريم مارون الخوري صادر لدى احدى العائلات الدرزية في قرية بوسنان في شمالي فلسطين تحت الحماية الانكليزية .

الصورة تم التقاطها  في مدينة عكا حيث كان يقوم بخدمة كنيستها المارونية الخوري طانيوس الخوري صادر شقيق الوالدة مريم . وكانت الوالدة مريم قد فقدت في تلك المجزرة والدها الوجيه مارون الخوري صادر وشقيقته مجيدة التي تكبره سنا وكلاهما في العقد السابع من العمر بعد ان اعطاهما المعتدون الامان مشروطا بتسليم خزنة العائلة وسلاحها. علما ان المعتدين كانوا من المعارف والاصدقاء السابقين من احدى البلدات المجاورة ....  

يظهر في الصورة من اليمين الى اليسار: ملكة ، الطفلة حنه، الوالدة مريم،وديعة، الطفل خليل، الوالد يوسف والفتى الصغير توفيق.  

االصورة هي من احدى الوثائق الفوتوغرافية النادرة في ذلك التاريخ

mercredi 4 mars 2020

من احداث 1936 - الولاء الى لبنان الكبير على الرغم من كل شيء في جبل عامل - تحت الانتداب

 من وثائق بكركي  حول احداث 1936 في جنوب لبنان  
رسالة من الخوري يوسف فرح الى البطريرك الحويك يطمئنه فيها عام 1936 عن تعلق شريحة من ابناء جنوب لبنان بدولة لبنان الكبير اكثر من تعلق ابناء عين ابل بدولتهم التي استشهد من اجل قيامها العشرات منهم , وفيها يشيد بموقف احد وجهاء بنت جبيل من ال   بزي :







Ajouter une légende




















































































dimanche 1 mars 2020