قطعة أثرية فريدة تعود اليوم من متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس الى مسقط رأسها في عين إبل بعد غياب 150 عاما
تستعد بلدية عين إبل صباح يوم السبت 22 تشرين الاول لأستقبال منحوتة أثرية فريدة آتية من متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية حيث نسختها الاصلية لا تزال مستقرة هناك منذ قرن ونصف القرن.تتم عملية التسلم والتسليم بين شركة "بروموأوريان " وبلدية عين إبل في حضور رئيس البلدية الاستاذ فاروق بركات دياب وأعضاء المجلس البلدي والهيئة الأختيارية وممثلة المؤسسة السيدة ماري كلود بيطار وجمهور من أهالي عين إبل ومحبيي التراث في منطقة قضاء بنت جبيل في جنوب لبنان.
اللوحة التي تمثل الثنائي "أبولون وأرتميس" في ألأساطير اليونانية الرومانية تحمل كتابة باليونانية ورموزا تشير الى عالم الحياة الزراعية تم صبها خلال السنة الماضية في مشاغل متحف اللوفر بالطرق الحديثة التي تعتمد على الليزر ومادة الجص المقوّى ، نقلا عن نسختها ألاصلية المحفوظة في صالة دينون من جناح الآثار الشرقية داخل المتحف المذكور
يظهر على الجهة اليمنى من اللوحة التي لا يزيد قياسها عن 180 سنتم طولا و170 عرضا الاله أبولون وعلى اليسرى الألهة أرتميس أو ديانا فيما يقف وراء كل منهما ثور من البقر في وضعية الاستراحة تتوسطهما شجرة نخيل ، رمز فينيقية، ذات جذع ضخم وقامة باسقة تحمل عناقيد من ثمار التمر فضلا عن كتابة باليونانية ورموز أخرى ذات معان ودلالات في لغة الميتولوجيا.
هذا وعلما أن اللوحة كان قد تم نقلها الى متحف اللوفر من فوق تلة الدوير التي تقع في خراج عين إبل على مسافة كيلو متر الى الشمال الغربي منه الى مرفأ صور في ربيع عام 1861. وقد جرت هذه العملية باشراف العالم الفرنسي رينان الذي تطوّع بنّاؤون وقاطعو حجارة من البلدة لكي يقدموها له بعد أن عمدوا الى تخفيف وزنها بتشذيبها وترقيقها بحيث تصبح قابلة للنقل على ظهور الجمال مسافة ثلاثين كيلومتر .عملية قطع المنحوتة عن الكتلة الصخرية التي كانت محفورة عليها كما عملية نقلها الى صور ومن ثم الى فرنسا يصفها رينان في كتابه " البعثة الى فينيقيا" الصادر عام 1864 وما بعدها في مجلد ضخم مرفق بمجموعة من الرسوم الفنية الممثلة لأبرز القطع والمواقع الأثرية التي زارها رينان واستكشف معالمها في مناطق مختلفة من لبنان وفلسطين مما كان يقع منها تحت التأثير الفينيقي الروماني والبيزنطي.
وكانت تلك البعثة قد تم تنظيمها بأمر من الملك الفرنسي نابوليون الثالث أو فيليب في إطار بعثة سياسية وعسكرية بقيادة الجنرال بوفور بهدف اعادة الأمن والاستقرار الى لبنان وسوريا إثر الحوادث المؤلمة التي وقعت عام 1860 وذهب ضحيتها اكثر من 17 الف قتيل معظمهم من المسيحين بسبب تواطؤ السلطنة العثمانية المتداعية مع التيارات الاصولية المتطرفة والمتبرمة بالوجود المسيحي الداعي الى اليقظة العربية في وجه الاستعمار التركي
في كتابه المشار اليه يصف رينان مشاهداته حول الآثار في منطقة عين إبل ولا سيما في خربة الدوير وشلعبون ومنها بقايا معبد وثني وآبار وبرك منقورة في الصخر الى بقايا أبنية ومدافن يعود تاريخ بعضها الى الحقبة الغسانية النصرانية والملوك والدويلات التي نشأت في كل من سوريا ولبنان وفلسطين خلال القرون الاولى السابقة واللاحقة لبداية المسيحية.
ولعل من أبرز ما يستحق الذكر في ما يختص بآثار عين أبل الى قطعة "ابولون وأرتميس" التي يعود تاريخها الى عام 193 بعد المسيح ،في مطلع عهد الامبراطور سبتيموس ساويروس الفنيقي الجذور والهوى ، نواويس شلعبون الواقعة أيضا شمال البلدة و مبان مربعة وأقبية ورماح متصالبة تشير الى الحقبة الغسانية التي كان أمراؤها المسيحيون في حالة من التحالف مع الامبراطورية الرومانية بعد سيطرة قسطنطين على السلطة وانتقال المسيحية فيها من حالة الاضطهاد الى حالة حرية العبادة وما ساد تلك الظروف من أجواء آمنة أحيانا ما لم تقطعها موجات الاضطهاد التي كانت تنشب وفقا لدين الامبراطور وميوله .
ومن بين المكتشفات الأثرية الملفتة مدافن شبيهة بتلك التي دفن فيها السيد المسيح مما ينطبق عليه قول النساء في الانجيل اللواتي جئن صباح أحد القيامة تسألن " من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر" . ومن الآثار الباقية الماثلة للعيان تلك التي يزين بها الجدار الغربي الخارجي لكنيسة السيدة في عين إبل والذي تندرج في أعلاه بلاطة لا يزال المشاهد يراها تمثل الرماح القسطنطينية، نسبة الى الملك قسطنطين ، وهي ترمز الى الشارة التي رآها الامبراطور في الحلم قبل احدى معاركه العسكرية الحاسمة عام 313 حيث ظهر له السيد المسيح وقال له : "بهذه العلامة ستنتصر" فاتخذ منها شعارا قبل خوضه المعركة واصبحت لاحقا رمزا لدولته وقد عبر عنها أيضا بثلاثة رماح متصالبة تمثل مختصرا لكلمتين: المسيح والسلام
Pax Christi ، .
هذه المعاني وغيرها مما يندرج في الاطار التاريخي الفني والسياسي والاجتماعيي في القرون المسيحية الاولى ستكون مدار بحث واستذكار لصفحات مجيدة من تاريخ عين إبل والمنطقة من قبل باحثين بعد عملية التسلم والتسليم التي تتم في دار البلدية عند الساعة العاشرة والنصف بين من جاؤوا لاستقبال القطعة الأثرية الفريدة التي ستستقر الى اشهر معدودة في احد مكاتب البلدية بانتظار ان تشكل لجنة خاصة خلال الايام المقبلة مهمتها إعداد المكان اللائق بالعائدة الى موطنها بعد طول غياب لتبقى شاهدة على تاريخ عظيم،وهي تحث الضمائر لكي يتعزز الوعي بأهمية التراث والضرورة القصوى للحفاظ عليه.لأن من لا ماضي لديه متمثلا بالتراث كمن لاغد لديه متمثلا بالمعرفة والثقافة
ويبقى القول بأن الفضل بعودة هذا الأثر الثمين الى موقعه بعد طول غياب يعود الى الاستاذين وابني العم يوسف توفيق خريش مطلق الفكرة ومكتشف الأثر والاستاذ يوسف خليل خريش المقيم في فرنسا والمتابع للفكرة ومحققها ميدانيا من خلال علاقاته مع ادارة متحف اللوفر والتضحيات الجسام التي بذلها لكي يأخذ هذا المشروع طريقه الى النور. فبوركت المساعي وبورك لعين إبل تراثها المستعاد الى حضن الوطن
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire