وثيقة الخوري يوسف فرح حول مجزرة عين ابل ١٩٢٠
- نقلا عن انطوان حنا فرح حفيد ابن شقيق الخوري يوسف فرح
اثبتناها هنا بعد تحويلها من صورة الى نص مقروء
علما ان النص المخطوط سقطت منه الصفحة 7
وهو لا يخلو من بعض الاخطاء الاملائية واللغوية
تحقيق ج ت خريش
وثيقة الخوري يوسف فرح حول مجزرة عين ابل 1920
صفحة ١ - في الأشهر الاخيرة من 1919 أخذت العصابات تعيث فسادا في جبل عامل فكانت تهاجم قرى المسيحيين وتسلب وتنهب غير هيابة و لا وجلة كأن ليس ثمة سلطة حاكمة يخشى الأشقياء صولتها. وكان في بعض فترات يحصل إعتداءات على أفراد من أبناء الشيعة ممن كانوا يتهمون بالولاء للحكومة الفرنسية. وبلغت وقاحة وجرأة الأشقياء أن هاجموا قاعدة القضاء صور ودب الذعر في قلوب اهليها والتجأوا الى المراكب الشراعية الراسية في البحر .
وكان أول من اشتهر أمره بقيادة العصابات المدعو صادق حمزة من قرية دبعال. وكان يتبعه القليل من الشبان. وكأن تغاضي الحكومة عن تعقب الأشقياء ومعاقبتهم أغرى غيرهم على أمتهان السلب لما فيه من كسب الغنائم ، وربما كان في الامر يد للسياسية لأن الأكثرية الساحقة من سكان جبل عامل يدينون بالإسلام من مذهب الشيعة وكان أمير مسلم وقتئذ يحكم في الشام على سورية فظن القوم أن خير وسيلة تضمهم لحكم الشريف فيصل أن يثيروا القلاقل ويكثروا المشاغب معلنين بذلك منهم استياءهم من الحكم الافرنسي ورغبتهم في الإنضمام إلى الحكومة العربية الشامية فيتم لهم ما يرغبون .
بدأت العصابات بمهاجمة صغرى القرى المسيحية فنهبت دردغيا والنفاخية وتبنين وبرعشيت ويارون .ولم يجسر الأشقياء على مهاجمة عين أبل لما بلغهم من تسلح أهلها واستعدادهم على المقاومة....( سطر غير واضح ) واخر اعمالهم القبيحة كان ...فشل صادق حمزة ( عندما) بعث يوما يطلب ماية ليرة عثمانية من عين ابل .
فعين إبل هي كبرى القرى المسيحية في جبل عامل ، قائمة على سفح أكمة تعلو نحو تسعماية متر عن مستوى البحر قريبة من الحدود الفلسطينية يكتنفها أكمات وأودية. تبعد عن مركز القضاء صور نحو ثلاثين كيلو مترا ً. يشتغل أهلها بحرث حقولهم ويعنون بغرس الزيتون والتين وغيرها من الأشجار المثمرة ويقتنون كغيرهم من القرويين الأبقار لحراثة حقولهم والجمال لنقل غلاتهم .وهذا الصنف من الحيوان أخذ بالتناقص بعد أن
يتبع ص ٢
صفحة ٢ - فتحت طرقات السيارات. وبعضهم يعتاشون من تربية الماعز والأغنام. خاف أهل عين أبل شر المصير حالما قويت شوكة العصابات وأهملت الحكومة أمر الأشقياء وتغاضت عن ملاحقتهم ولاسيما قد عظم في قرى الشيعة شأن الثائرين وأخذ القوم يتفاخرون بأعمالهم ويشيدون بإسمهم في اغانيهم وأهازيجهم الشعبية وأصبح ذكرهم لدى الجميع موضوع إجلال وإكرام ولاحظنا أن شعور الجميع يحبذ أعمالهم ويتمنى لهم التأييد والفنا إستعدادا لمعاضدتهم. فشكونا الأمر لحاكم القضاء وقتئذ الكابيتان ديلابا سيتيار وابدينا له مخاوفنا فكان جوابه لأبناء عين أبل أن نشطهم للدفاع عن حوزتهم ورد غارة من يهاجمهم وأن ليس لديه قوة عسكرية ليوزعها في الجبل وانه يعتمد على بسالتهم وسلمهم بعض الأسلحة.
رأى أبناء عين أبل أن لا سبيل إلى المساعدة من الحكومة وأن عليهم أن لا يتكلوا إلا على أنفسهم برد هجمات من حدثته نفسه بالإعتداء عليهم .فإتخذو ما أمكن من الحيطة حتى لا يؤخذوا على حين غرة ، فأنشأو نقاطا مختلفة في جهات القرية الاربع تقوم بالمراقبة حتى إذا أقبل عدو من أحدى الجهات تنذر القوم بالخطر. وقد أبت عليهم أنفتهم وحرصهم على صون كرامة الدولة المحتلة أن يلجأوا إلى زعماء البلاد يلتمسون حمايتهم .انما لم يكن يخطر لهم في بال أن يباغتوا بهجوم عمومي عليهم يشترك فيه عرب البدو وأكثر قرى الشيعة من جبل عامل من أقصاه إلى أدناه .كانوا يظنون ( انه) اذا صار إعتداء عليهم لا يقوم به سوى بعض عشرات أو مئات الأشقياء الذين التحقوا بالعصابات.
تلك كانت حال العصابات وشأنها في جهاتنا في اواخر نيسان 1920. وما كادت ترتفع الشمس في الفلك في الخامس من شهر ايار من تلك ألسنة حتى شاهد أهل عين ابل
يتبع ص ٣
---------
صفحة ٣ - جماهير أطلت على قريتهم من الجهة الغربية على مسافة أكتر من كيلومترين واحتشدت هنالك في ظل الأشجار فرابهم أمر تلك الجموع واخذوا يتساءلون في شأنهم واية ريبة لا تحدث عن تجمهر أقوام مسلحين في تلك الأيام تجاه قرية عرفها الجميع بشديد ولائها للافرنسيين بعد أن كان أكثر القرى المسيحية نهبت وتشتت أهلوها ، فقرّ رأي أوجه القرية أن يذهب بعضهم إلى بنت جبيل مرجع قرى الشيعة في جهاتنا وعميدتها ليستطلعوا منها أمر هذه الوفود وغايتها . فكان الجواب أن ليس هؤلاء إلا زائرين من جهات الشِعَب قاصدين مقام النبي يوشع القريب قدس على مسافة نحو ثلاث ساعات شرقي عين ابل لوفاء نذر عليهم وإلتماس شفاعة ذلك الولي. فعاد الرسل مطمئنين ،ثم تبعهم كتاب من أحد ألذوات في بنت جبيل يزيد القوم سكينة وإطمئنانا معلنا ً فيه أن عطوفة عميد البلاد المطاع الكلمة كامل بك الأسعد ساهر بعين يقظة على استباب الأمن يهمه راحة أبناء جبل عامل على إختلاف مذاهبهم ونزعتهم فلا يخشى أحد سؤا .والكتاب هذا كان يحمله أحد ضحايا الحادثة التي نأتي على ذكرها فاسفنا لضياعه. فهدأ انذاك روع القوم وإنصرف كل إلى عمله.
وما هي ساعة من الوقت أي عند ظهر النهار ألا وسمع دوي إطلاق بنادق لجهة القرية الشمالية فظن الأهالي أن الخفراء القائمين في تلك الجهة يتلاهون ويلعبون . وما عتم أن تكاثرت الطلقات وأخذت الجموع الكامنة منذ الصباح في الجهة الغربية تزحف نحو عين أبل وكان كما تقدم أكثر الأهالي في حقولهم يشتغلون فهب من كان في القرية إلى اسلحتهم وبادروا إلى خارج القرية فإذا عصابة كانت هاجمت رعاة غنم فتبعوها واسترجعوا الغنم لكن تلك العصابة لم تكن سوى طليعة لجماهير كانت محتشدة على بركة كونين . فما لبث أبناء عين أبل إلا ورأوا أقواما ً تزحف
بتبع ص ٤
-------
صفحة ٤ - من جهة الشمال وغيرهم من الشرق . وقد تقدم الاتين من الشمال بعضهم يحملون شارات السلم وفيهم السيد على جعفر من يارون ً الملقب بأبي جواريش واخذوا يصرخون في شبابنا أن احجبوا ولا تجعلوا سببا للعداء فقد أقنع الأعيان القوم أن يعودوا من حيث أتوا وما نحن إلا رسل سلام. فإنخدع ذوونا بكلامهم وأمسكوا عن أطلاق رصاصهم وعادوا إلى الوراء وما كان ذلك إلا خدعة . فما كاد شبابنا يرجعون حتى تقدم المهاجمون وأصلوا نقاط الخفراء نارا حامية وقتلوا بعضهم وكان أحد زعماء هذه الثورة أحمد محمود بزي من أوجه ألقوم في قرية بنت جبيل وهو أبن أخ الحاج محمد سعيد بزي الزعيم المعروف في جبل عامل . وتقدم المهاجمون نحو القرية وحاصروا الآهلين فيها وليس موقع قريتنا من المواقع الموافقة لقيام الحصار فيها وصد ألغارات عنها . فإن الحيطان المقامة أسوارا للحقول والصخور والمرتفعات والمنخفضات التي تكتنف القرية تحول بين المحاصر والمهاجم فلا يشاهد القادم إلى القرية من جهاتها الثلاث الشمالية والشرقية والجنوبية ألا حال وصوله القرية.
بدأت المعركة وأخذت الاهالي تقاوم بحماس وشجاعة. وكانت قواهم متفرقة في جهات القرية الاربع . وكان البعض منهم خارج القرية لأن الأعداء وعددهم لايقل عن الستة ألاف أحاط بالقرية من جميع جهاتها .وكانت النساء تتبعن المهاجمين وتنشدن وتزرغدن وتحملن الرصاص، ولم نكن من قبل نحسب حساباً لمثل هذا القيام العمومي على بلدة لم يسبق منها سيئات ضد جيرانها ولم يكن لها ذنب تلام عليه سوى ولاءها لفرنسا محامية المسيحيين منذ القدم. يقال ان الرسول أوصى بالجار خيرا ً وقد رأينا القوم لا يراعون ذمة الجوار.
---يتبع ص ٥
الصفحة ٥- ولا يبالون لوصية نبيهم فقد أتونا ونار البغضاء تتأجج في صدورهم والجشع في سفك دماء الجيران وإباحة أموالهم بملء فؤادهم.
ثبت كل من شبابنا في مراكزهم يدافعون مدافعة الأبطال ويبادلون المهاجم إطلاق الرصاص واوقفوا المهاجمين عن دخول القرية . غير أن عدد هؤلاء كان يتكاثر . وكانوا يتقدمون محجوبين عن الأنظار وراء الحيطان والمرتفعات .ولما قلّ ما بين يدي شباننا من الذخيرة واحاطهم القوم المهاجم من كل ناحية اخذوا يتراجعون. وما أحسوا عند الساعة الرابعة بعد الظهر الا ودخل بعض الأعداء القرية من جهتها الشمالية. وأول بيت دخلوه اضرموا النار فيه فتصاعد الدخان الكثيف في الفضاء وهلع سكان عين أبل حالما ايقنوا أن العدو استولى على قسم من بلدتهم ورأو أنه أمام تلك الجماهير العديدة لا وسيلة تنقذ من ... المداومة على مقاومة تلك الجماهير العديدة ولا وسيلة تنقذهم من المذبحة سوى الفرار.
وفكروا في باب النجاة وقد طوقهم القوم من كل صوب فرأوا أن خير وسيلة ( هي ) الإلتجاء إلى فلسطين و( هي) لا تبعد عنهم إلا بضع كيلومترات. فحولوا قوتهم إلى الجهة الجنوبية ليفتحوا أمامهم منفذاً للهرب وكانت الشمس قاربت الغروب .فأصلى الشبان القوم المهاجم من جهة الجنوب نارا ً حامية بما بقي معهم من خرطوش، فتبدد هؤلاء واخرج العينبليون تحميهم نيران شبانهم قاصدين فلسطين . لكنها كانت حال يفتت لها الكبد . كان رصاص الأعداء يصب عليهم وكل يفكر بنجاة نفسه فلم تع الأم على اولادها ولا الولد على أبيه الشيخ العاجز . فغادر الأكثرون القرية وبقي البعض من نساء وأطفال وشيوخ مختبئين في البلدة وتوجه
يتبع صفحة ٦
------
الصفحة ٦- الهاربون تحت الظلام إلى القرى الفلسطينية كل يقصد حيث له صديق أو نسيب . وأما الذين أقاموا في القرية مختبئين فقد هلك أكثرهم . فكأن جيراننا الشيعيين كانوا متعطشين لسفك الدماء فكان كلما دخل احدهم بيتا ًووجدفيه نسا ًء أوشيوخا ًأو أطفالا ً كان يمزقهم برصاص بندقيته . ولم يراعوا حرمة الصداقة القديمة وعهود الإخاء . فمارون الخوري من اوجه بيت في عين أبل كان شيخا يناهز الخامسة والستين من العمر لم يغادر بيته ظنا ً منه أن ما بينه وبين آل بزي في بنت جبيل من علاقات المودة يقيه كل غائلة . لأن بيت الخوري مرتبطون بعهود اخاء مع البعض من آل بزي منذ أكثر من ستين سنة، وكان الكبار منهم يدعون بعضهم أخوة والشبان أولاد أعمام . فأتاه من كان لا يدعوه إلا أخاه محمود جابر فتلطفه وتودد إليه حتى إستلم ما كان يخبئه مارون من الدراهم . وبعد أن إستلم المال منه التفت إلى ابنه عقيل قائلا: "يا ابني أسرع واذبح عمك وعمتك" .وهذه أخت مارون الخوري وأكبر منه . وما أن سمع عقيل قول والده حتى خرق رصاص بندقيته صدر مارون ثم صدر مجيدة أخته. ويعقوب صادر كان من أعز أصدقاء أحمد محمود بزي وكان هذا يقيم في ضيافة يعقوب الأسبوع والاسبوعين والشهر حالما كان يقع خلاف بينه وبين ذويه في بنت جبيل. فصادف أن أحمد و هو كان من زعماء المهاجمين وجد يعقوب محاصرا ً في أحد بيوت عين أبل ولا يجرأ أحد أن يقرب من كمينه. وحالما عرفه صرخ عليه: يا أخي يعقوب لا تخف شرا أنا أخوك أحمد فعليك الأمان وأخذ يغلظ له الإيمان أن لا يمسه
يتبع صفحة ٧
-----
الصفحة السابعة مفقودة
-----
الصفحة ٨- لم يكن في أيدينا شيء من المال حالما غادرنا بلدتنا و لم نتمكن من أن نصحب شيئا معنا من المتاع وكنا بحاجة لكل شئ وما أفجعها من حالة اصبحنا عالة على المحسنين . ونحن في صفد جمهور كبير . فرق القوم هنالك لحالنا وأحسن إلينا المسيحيون والجمعيات الإسرائيلية واخذوا يوزعون علينا الطعام كل يوم ونحن لا نجرأ على الرجوع إلى وطننا . فقصدنا حيفا وكان هاجر إليها الكثيرون ممن تفرقوا في شتى الضيع الفلسطينية . وفي حيفا احتضننا كالأب الحنون سيادة صاحب المبرات العديدة والمآتي السامية المطران غريغوريوس حجار فمدنا ببعض المال لنبتاع كسوة للمحتاجين ووزع الدقيق على العيلات وأخذ البعض يرتزق بالعمل . وكان أرسل إلينا إلى حيفا حضرة المنسينيور فرنسيس الخوري النائب الأسقفي في صور شيئا ً من المال . ثم بعث حاكم صور مراكب شراعية لعودتنا إلى لبنان مع كتابة لحاكم حيفا لكي يسهل لنا أمر سفرنا فقابلنا الحاكم في حيفا وسلمناه كتاب حاكم صور، فسألنا اذا كان بودنا الرجوع إلى وطننا فأجبنا أن الشبان يعودون ويبقى في حيفا باقي الاهالي لان الأمن لم يستتب بعد عندنا، فطلب إلينا أن نكتب تقريرا ً فيه نفيد عن الحال ونبين ً أننا نخشى الرجوع إلى وطننا لعدم استقرار الأمن فرأينا في ألامر مساسا بالحكومة الإفرنسية فأبينا فلم يرق رفضنا هذا في عين الحاكم الإنكليزي وصرح لنا أنه لابد أن يضم قسم من لبنان الجنوبي إلى فلسطين وإن نهر القاسمية الليطاني سيكون حدود البلدين. عاد البعض إلى صور ثم من بعدها بمدة عاد باقي المهاجرين وكان أوفد حاكم صور (المراكب) السفائن ثانية.
-يتبع صفحة٩
الصفحة ٩ - في أثناء تلك المدة بعد حادث عين أبل بنحو اسبوعين حملت قوة من الجنود الافرنسية بقيادة الكولونيل نيجر على جبل عامل لتقتص من الثائرين . ولم يكن وقتئذ طرقات للسيارات فأتى العسكر من صور مئة بياده مشاة ومنه سواري على الخيل ووجهتهم بلدة تبنين حيث قلعة الصليبيين القديمة .وما أن علم الشيعيون بالامر حتى دب الحماس في قلوب بعضهم وهبوا لمقاومة الجنود الزاحفة. فاجتمع بعض مئات بقيادة زعماء المنطقة وعلى رأسهم الحاج محمد سعيد بزي من بنت جبيل . واختاروا قلعة تبنين المذكورة حصن يحاصرون فيه . وخطب الزعماء ينشطون رجالهم . لكن ما ( أن ) كادت جنود الحملة تقترب ويرى المحاصرون ما هنالك من القوة حتى ادركوا ضعفهم وايقنوا الهلاك أن هم قاوموا . وفروا هاربين من مكمنهم .فقصدت بعد ذلك الحملة بنت جبيل وتوغلت في داخلية البلاد لكن السكان كان الخوف قد استولى عليهم وهاجروا قراهم قاصدين فلسطين ولم تصادف الحملة مقاومة. ويا للعجب من هربهم فإنهم كانوا يدعون أنهم ثاروا ونهضوا في سبيل ضم جبل عامل الى الحكومة السورية، فهل يدركون بغيتهم وينالون أربهم دون أن يضحوا بنقطة دم من دمائهم فيفرون من وجه القوة حال ظهورها. الا يعلمون أن الشرف لا يسلم من الأذى ما لم تراق الدماء على جوانبه.
طافت الجنود في طول البلاد وعرضها بعد أن أرسل قائدها من تفقد حال عين أبل وشهد خرائبها وقدم له تقريرا ً بما رأى . وكان أصدر أمرهم بإطلاق المدافع على بيت محمود الأحمد في بنت جبيل وهو كما تقدم كان من زعماء الثائرين وتوجهت
---يتبع ص ١٠
الصفحة ١٠- إلى جهة الطيبة وقبل أن يبلغوها أرسل الكولونيل نيجر يستدعي اليه كامل بك الأسعد فأتى وتقابلا و ابدى له الكولونيل رغبته في زيارته فترحب به لكن أحد زعماء الشيعيين الذي كان يرافق الحملة أوعز الى البيك أن يغادر لبنان بحجة أن القائد يضمر له الشر, فعمل بنصيحة الزعيم الشيعي وترك داره ليلاً ولجاء إلى فلسطين وحالما حضر الكولونيل نيجر في الغد إلى الطيبة وجد دار الكامل خالية من السكان وكان رافق الحملة بعض شبابنا من العينبليين من حين خروجها من صور وحال مرورهم في بنت جبيل حرقوا بعض بيوتها ساعدهم في ذلك سكان القرى اﻟﻤﺠاورة الذين كانوا اتوها بقصد سلب ما تركه أهلها فيها بعد مهاجرتهم .
وبعد ذلك بمدة دعي أوجه البلاد إلى اجتماع في صيدا خطب فيه الكولونيل نيجر وأعلن فرض غرامة على الشيعيين في جبل عامل قدرها مائة ألف ليرة عثمانية ذهبا ً وحكم بالإعدام على نحو أربعين من زعماء الشيعة منهم كامل البك الأسعد وكل المحكومين كانوا مهاجرين الى فلسطين وأخذت الحكومة تجمع الغرامة بإستدعاء الرؤساء اليها ووضع المسؤولية على كل منهم بجمع المال من أهل قريته و ما مرت بضعة اسابيع حتى دفعت القيمة كاملة. أما المحكومون اعداما فقد صدر عنهم عفو بعد أشهر وعادوا إلى بيوتهم امنين .
لم يكن رجوع مهاجري عين أبل إلى بلدتهم في آن واحد فكما تقدم كان تشتت أهالي عين أبل في أماكن مختلفة من فلسطين وأكثرهم ذهب إلى حيفا ومن كان منهم قريبا من الحدود كان يتفقد البلدة خلسة في الليل ويدفنون ما يعثرون عليه من جثث قتلى الحادثة. وفي أوائل شهر حزيران
يتبع صفحة ١١
--الصفحة ١١-
بدأوا يعودون أفواجا ً وكانت البلدة بهيئة كئيبة ينفطر لها الفؤاد وتفتت الكبد. فكان الداخل إليها يشعر كأنه بين أنقاض خرائب قديمة .كانت النار التهمت أكثر البيوت والتي لم تحرقها النار كانت دمرت سقوفها ونهبت اخشابها وابوابها . فقد علم القارئ أننا أخذنا على حين غرة ولم نتمكن أن ننقذ شيء من مقتنياتنا حال هربنا وأن الثوار اعملوا النار في القرية حين استيلائهم عليها . فرأينا حين رجوعنا المساكن خربة وكل مقتنياتنا من مواشي وأثاث إلى غير ذلك مما ورثناه عن ابائنا وإقتنيناه لانفسنا كل ما نملك كان نهب وأكلته النيران، ووجدنا في الشوارع بعض عظام من بقايا قتلانا الذين لم يتوفق دفنهم قبلا فجمعناها بإكرام وواريناها التراب. وكان عدد الضحايا منا إثنين وأربعين قتيلا ً أكثرهم من النساء والشيوخ الذين لم يستطيعوا إلى الهرب سبيلا ً وقضى عليهم جيراننا الشيعيون ولم ً تتحرك في قلبهم عاطفة الانسان على ضعفاء عاجزين لم يحملوا سلاحا و لا يستطيعون مقاومة.
ان القتلى من المهاجمين لم نعلم عددهم لأننا غادرنا محل الموقعة هاربين وكان الثائرون بعد ذلك يتكتمون في الأمر لكي لا تلصق في قراهم تهمة الهجوم على عين أبل ويضطرون لتحمل دفع قيمة كبيرة من الغرامة وعلمنا بعد حين أن القتلى منهم لم يكونوا أقل عددا ً من قتلانا. أن عين أبل لم تنل نصيبا ً وفيا ً من التعويض عما اصابها من الخسائر في تلك النكبة فالحكومة لم تصلح شيئا ً مما ًكان حرق وهدم من المساكن كما فعلت في حاصبيا واكتفت أن تدفع مبلغا من المال لكل من الأهلين لا توازي قيمة عشر ما فقد
---يتبع ص ١٢
الصفحة ١٢- فمجموع ما دفع من المال لاهالي عين أبل لا توازي قيمته ثمن ما سلب منها من المواشي من ابقار وخيل وماعز وغيره، وكل يعلم ما كانت عليه الحاجيات والمواشي من ألاثمان في تلك السنين، فإن أحدنا مختار القرية أسعده الحظ بإنقاذ فرس من النهب وحال وصوله ً إلى صفد باع نصوتها(؟) بمائة وخمسين ليرة مصرية وبعضهم أنقذ قطيعا من الماعز كان يبيع الواحدة منه من الثلاث ليرات مصرية إلى الخمس ليرات. وحالما أخذنا بابتياع بعض المواشي نستعين بها على العمل كنا نشتري رأس البقر من الخمس عشرة ليرة مصرية إلى الخمسين ليرة.
ولما باشرنا ترميم مساكنا كنا ندفع للمعلم العمار أو النجار من الثمانين قرش مصرية إلى المئة ونقدم له ألمؤونة.
إن نكبة سنة العشرين كانت وطأتها علينا مع حفظ المناسبة مثل وطأة الحرب الكبرى على المدن والقرى التي دمرتها مدافع الأعداء بل أشد لان بلدتنا خربت كل بيوتها وسلبت كل موجوداتها ولذلك اضطر الكثيرون منا على المهاجرة إلى فلسطين لعدم استطاعتهم ترميم بيوتهم ليسكنوها .ولم يعودوا إلى ألان ولم تزل بيوتهم خربة ولكن مهاجرتهم كانت خيرا لهم لأنهم ألان في حيفا برخاء ورغد فبنوا بيوتا فيها، ومنهم اصبحوا من المثريين عندهم دخل شهري من اجارات مساكن ثلاثون وأربعون ليرة فلسطينية
فكم من نقمة تعود على ضحيتها خيرا . ولاعجب فإن فلسطين الان عموما برخاء واسعة عيش يحسدها عليهما جيرانها من اللبنانين .وكم من لبناني يتمنى أن يتيسر له المهاجرة إلى فلسطين.
-------
jtk
صفحة ١ - في الأشهر الاخيرة من 1919 أخذت العصابات تعيث فسادا في جبل عامل فكانت تهاجم قرى المسيحيين وتسلب وتنهب غير هيابة و لا وجلة كأن ليس ثمة سلطة حاكمة يخشى الأشقياء صولتها. وكان في بعض فترات يحصل إعتداءات على أفراد من أبناء الشيعة ممن كانوا يتهمون بالولاء للحكومة الفرنسية. وبلغت وقاحة وجرأة الأشقياء أن هاجموا قاعدة القضاء صور ودب الذعر في قلوب اهليها والتجأوا الى المراكب الشراعية الراسية في البحر .
وكان أول من اشتهر أمره بقيادة العصابات المدعو صادق حمزة من قرية دبعال. وكان يتبعه القليل من الشبان. وكأن تغاضي الحكومة عن تعقب الأشقياء ومعاقبتهم أغرى غيرهم على أمتهان السلب لما فيه من كسب الغنائم ، وربما كان في الامر يد للسياسية لأن الأكثرية الساحقة من سكان جبل عامل يدينون بالإسلام من مذهب الشيعة وكان أمير مسلم وقتئذ يحكم في الشام على سورية فظن القوم أن خير وسيلة تضمهم لحكم الشريف فيصل أن يثيروا القلاقل ويكثروا المشاغب معلنين بذلك منهم استياءهم من الحكم الافرنسي ورغبتهم في الإنضمام إلى الحكومة العربية الشامية فيتم لهم ما يرغبون .
بدأت العصابات بمهاجمة صغرى القرى المسيحية فنهبت دردغيا والنفاخية وتبنين وبرعشيت ويارون .ولم يجسر الأشقياء على مهاجمة عين أبل لما بلغهم من تسلح أهلها واستعدادهم على المقاومة....( سطر غير واضح ) واخر اعمالهم القبيحة كان ...فشل صادق حمزة ( عندما) بعث يوما يطلب ماية ليرة عثمانية من عين ابل .
فعين إبل هي كبرى القرى المسيحية في جبل عامل ، قائمة على سفح أكمة تعلو نحو تسعماية متر عن مستوى البحر قريبة من الحدود الفلسطينية يكتنفها أكمات وأودية. تبعد عن مركز القضاء صور نحو ثلاثين كيلو مترا ً. يشتغل أهلها بحرث حقولهم ويعنون بغرس الزيتون والتين وغيرها من الأشجار المثمرة ويقتنون كغيرهم من القرويين الأبقار لحراثة حقولهم والجمال لنقل غلاتهم .وهذا الصنف من الحيوان أخذ بالتناقص بعد أن
يتبع ص ٢
صفحة ٢ - فتحت طرقات السيارات. وبعضهم يعتاشون من تربية الماعز والأغنام. خاف أهل عين أبل شر المصير حالما قويت شوكة العصابات وأهملت الحكومة أمر الأشقياء وتغاضت عن ملاحقتهم ولاسيما قد عظم في قرى الشيعة شأن الثائرين وأخذ القوم يتفاخرون بأعمالهم ويشيدون بإسمهم في اغانيهم وأهازيجهم الشعبية وأصبح ذكرهم لدى الجميع موضوع إجلال وإكرام ولاحظنا أن شعور الجميع يحبذ أعمالهم ويتمنى لهم التأييد والفنا إستعدادا لمعاضدتهم. فشكونا الأمر لحاكم القضاء وقتئذ الكابيتان ديلابا سيتيار وابدينا له مخاوفنا فكان جوابه لأبناء عين أبل أن نشطهم للدفاع عن حوزتهم ورد غارة من يهاجمهم وأن ليس لديه قوة عسكرية ليوزعها في الجبل وانه يعتمد على بسالتهم وسلمهم بعض الأسلحة.
رأى أبناء عين أبل أن لا سبيل إلى المساعدة من الحكومة وأن عليهم أن لا يتكلوا إلا على أنفسهم برد هجمات من حدثته نفسه بالإعتداء عليهم .فإتخذو ما أمكن من الحيطة حتى لا يؤخذوا على حين غرة ، فأنشأو نقاطا مختلفة في جهات القرية الاربع تقوم بالمراقبة حتى إذا أقبل عدو من أحدى الجهات تنذر القوم بالخطر. وقد أبت عليهم أنفتهم وحرصهم على صون كرامة الدولة المحتلة أن يلجأوا إلى زعماء البلاد يلتمسون حمايتهم .انما لم يكن يخطر لهم في بال أن يباغتوا بهجوم عمومي عليهم يشترك فيه عرب البدو وأكثر قرى الشيعة من جبل عامل من أقصاه إلى أدناه .كانوا يظنون ( انه) اذا صار إعتداء عليهم لا يقوم به سوى بعض عشرات أو مئات الأشقياء الذين التحقوا بالعصابات.
تلك كانت حال العصابات وشأنها في جهاتنا في اواخر نيسان 1920. وما كادت ترتفع الشمس في الفلك في الخامس من شهر ايار من تلك ألسنة حتى شاهد أهل عين ابل
يتبع ص ٣
---------
صفحة ٣ - جماهير أطلت على قريتهم من الجهة الغربية على مسافة أكتر من كيلومترين واحتشدت هنالك في ظل الأشجار فرابهم أمر تلك الجموع واخذوا يتساءلون في شأنهم واية ريبة لا تحدث عن تجمهر أقوام مسلحين في تلك الأيام تجاه قرية عرفها الجميع بشديد ولائها للافرنسيين بعد أن كان أكثر القرى المسيحية نهبت وتشتت أهلوها ، فقرّ رأي أوجه القرية أن يذهب بعضهم إلى بنت جبيل مرجع قرى الشيعة في جهاتنا وعميدتها ليستطلعوا منها أمر هذه الوفود وغايتها . فكان الجواب أن ليس هؤلاء إلا زائرين من جهات الشِعَب قاصدين مقام النبي يوشع القريب قدس على مسافة نحو ثلاث ساعات شرقي عين ابل لوفاء نذر عليهم وإلتماس شفاعة ذلك الولي. فعاد الرسل مطمئنين ،ثم تبعهم كتاب من أحد ألذوات في بنت جبيل يزيد القوم سكينة وإطمئنانا معلنا ً فيه أن عطوفة عميد البلاد المطاع الكلمة كامل بك الأسعد ساهر بعين يقظة على استباب الأمن يهمه راحة أبناء جبل عامل على إختلاف مذاهبهم ونزعتهم فلا يخشى أحد سؤا .والكتاب هذا كان يحمله أحد ضحايا الحادثة التي نأتي على ذكرها فاسفنا لضياعه. فهدأ انذاك روع القوم وإنصرف كل إلى عمله.
وما هي ساعة من الوقت أي عند ظهر النهار ألا وسمع دوي إطلاق بنادق لجهة القرية الشمالية فظن الأهالي أن الخفراء القائمين في تلك الجهة يتلاهون ويلعبون . وما عتم أن تكاثرت الطلقات وأخذت الجموع الكامنة منذ الصباح في الجهة الغربية تزحف نحو عين أبل وكان كما تقدم أكثر الأهالي في حقولهم يشتغلون فهب من كان في القرية إلى اسلحتهم وبادروا إلى خارج القرية فإذا عصابة كانت هاجمت رعاة غنم فتبعوها واسترجعوا الغنم لكن تلك العصابة لم تكن سوى طليعة لجماهير كانت محتشدة على بركة كونين . فما لبث أبناء عين أبل إلا ورأوا أقواما ً تزحف
بتبع ص ٤
-------
صفحة ٤ - من جهة الشمال وغيرهم من الشرق . وقد تقدم الاتين من الشمال بعضهم يحملون شارات السلم وفيهم السيد على جعفر من يارون ً الملقب بأبي جواريش واخذوا يصرخون في شبابنا أن احجبوا ولا تجعلوا سببا للعداء فقد أقنع الأعيان القوم أن يعودوا من حيث أتوا وما نحن إلا رسل سلام. فإنخدع ذوونا بكلامهم وأمسكوا عن أطلاق رصاصهم وعادوا إلى الوراء وما كان ذلك إلا خدعة . فما كاد شبابنا يرجعون حتى تقدم المهاجمون وأصلوا نقاط الخفراء نارا حامية وقتلوا بعضهم وكان أحد زعماء هذه الثورة أحمد محمود بزي من أوجه ألقوم في قرية بنت جبيل وهو أبن أخ الحاج محمد سعيد بزي الزعيم المعروف في جبل عامل . وتقدم المهاجمون نحو القرية وحاصروا الآهلين فيها وليس موقع قريتنا من المواقع الموافقة لقيام الحصار فيها وصد ألغارات عنها . فإن الحيطان المقامة أسوارا للحقول والصخور والمرتفعات والمنخفضات التي تكتنف القرية تحول بين المحاصر والمهاجم فلا يشاهد القادم إلى القرية من جهاتها الثلاث الشمالية والشرقية والجنوبية ألا حال وصوله القرية.
بدأت المعركة وأخذت الاهالي تقاوم بحماس وشجاعة. وكانت قواهم متفرقة في جهات القرية الاربع . وكان البعض منهم خارج القرية لأن الأعداء وعددهم لايقل عن الستة ألاف أحاط بالقرية من جميع جهاتها .وكانت النساء تتبعن المهاجمين وتنشدن وتزرغدن وتحملن الرصاص، ولم نكن من قبل نحسب حساباً لمثل هذا القيام العمومي على بلدة لم يسبق منها سيئات ضد جيرانها ولم يكن لها ذنب تلام عليه سوى ولاءها لفرنسا محامية المسيحيين منذ القدم. يقال ان الرسول أوصى بالجار خيرا ً وقد رأينا القوم لا يراعون ذمة الجوار.
---يتبع ص ٥
الصفحة ٥- ولا يبالون لوصية نبيهم فقد أتونا ونار البغضاء تتأجج في صدورهم والجشع في سفك دماء الجيران وإباحة أموالهم بملء فؤادهم.
ثبت كل من شبابنا في مراكزهم يدافعون مدافعة الأبطال ويبادلون المهاجم إطلاق الرصاص واوقفوا المهاجمين عن دخول القرية . غير أن عدد هؤلاء كان يتكاثر . وكانوا يتقدمون محجوبين عن الأنظار وراء الحيطان والمرتفعات .ولما قلّ ما بين يدي شباننا من الذخيرة واحاطهم القوم المهاجم من كل ناحية اخذوا يتراجعون. وما أحسوا عند الساعة الرابعة بعد الظهر الا ودخل بعض الأعداء القرية من جهتها الشمالية. وأول بيت دخلوه اضرموا النار فيه فتصاعد الدخان الكثيف في الفضاء وهلع سكان عين أبل حالما ايقنوا أن العدو استولى على قسم من بلدتهم ورأو أنه أمام تلك الجماهير العديدة لا وسيلة تنقذ من ... المداومة على مقاومة تلك الجماهير العديدة ولا وسيلة تنقذهم من المذبحة سوى الفرار.
وفكروا في باب النجاة وقد طوقهم القوم من كل صوب فرأوا أن خير وسيلة ( هي ) الإلتجاء إلى فلسطين و( هي) لا تبعد عنهم إلا بضع كيلومترات. فحولوا قوتهم إلى الجهة الجنوبية ليفتحوا أمامهم منفذاً للهرب وكانت الشمس قاربت الغروب .فأصلى الشبان القوم المهاجم من جهة الجنوب نارا ً حامية بما بقي معهم من خرطوش، فتبدد هؤلاء واخرج العينبليون تحميهم نيران شبانهم قاصدين فلسطين . لكنها كانت حال يفتت لها الكبد . كان رصاص الأعداء يصب عليهم وكل يفكر بنجاة نفسه فلم تع الأم على اولادها ولا الولد على أبيه الشيخ العاجز . فغادر الأكثرون القرية وبقي البعض من نساء وأطفال وشيوخ مختبئين في البلدة وتوجه
يتبع صفحة ٦
------
الصفحة ٦- الهاربون تحت الظلام إلى القرى الفلسطينية كل يقصد حيث له صديق أو نسيب . وأما الذين أقاموا في القرية مختبئين فقد هلك أكثرهم . فكأن جيراننا الشيعيين كانوا متعطشين لسفك الدماء فكان كلما دخل احدهم بيتا ًووجدفيه نسا ًء أوشيوخا ًأو أطفالا ً كان يمزقهم برصاص بندقيته . ولم يراعوا حرمة الصداقة القديمة وعهود الإخاء . فمارون الخوري من اوجه بيت في عين أبل كان شيخا يناهز الخامسة والستين من العمر لم يغادر بيته ظنا ً منه أن ما بينه وبين آل بزي في بنت جبيل من علاقات المودة يقيه كل غائلة . لأن بيت الخوري مرتبطون بعهود اخاء مع البعض من آل بزي منذ أكثر من ستين سنة، وكان الكبار منهم يدعون بعضهم أخوة والشبان أولاد أعمام . فأتاه من كان لا يدعوه إلا أخاه محمود جابر فتلطفه وتودد إليه حتى إستلم ما كان يخبئه مارون من الدراهم . وبعد أن إستلم المال منه التفت إلى ابنه عقيل قائلا: "يا ابني أسرع واذبح عمك وعمتك" .وهذه أخت مارون الخوري وأكبر منه . وما أن سمع عقيل قول والده حتى خرق رصاص بندقيته صدر مارون ثم صدر مجيدة أخته. ويعقوب صادر كان من أعز أصدقاء أحمد محمود بزي وكان هذا يقيم في ضيافة يعقوب الأسبوع والاسبوعين والشهر حالما كان يقع خلاف بينه وبين ذويه في بنت جبيل. فصادف أن أحمد و هو كان من زعماء المهاجمين وجد يعقوب محاصرا ً في أحد بيوت عين أبل ولا يجرأ أحد أن يقرب من كمينه. وحالما عرفه صرخ عليه: يا أخي يعقوب لا تخف شرا أنا أخوك أحمد فعليك الأمان وأخذ يغلظ له الإيمان أن لا يمسه
يتبع صفحة ٧
-----
الصفحة السابعة مفقودة
-----
الصفحة ٨- لم يكن في أيدينا شيء من المال حالما غادرنا بلدتنا و لم نتمكن من أن نصحب شيئا معنا من المتاع وكنا بحاجة لكل شئ وما أفجعها من حالة اصبحنا عالة على المحسنين . ونحن في صفد جمهور كبير . فرق القوم هنالك لحالنا وأحسن إلينا المسيحيون والجمعيات الإسرائيلية واخذوا يوزعون علينا الطعام كل يوم ونحن لا نجرأ على الرجوع إلى وطننا . فقصدنا حيفا وكان هاجر إليها الكثيرون ممن تفرقوا في شتى الضيع الفلسطينية . وفي حيفا احتضننا كالأب الحنون سيادة صاحب المبرات العديدة والمآتي السامية المطران غريغوريوس حجار فمدنا ببعض المال لنبتاع كسوة للمحتاجين ووزع الدقيق على العيلات وأخذ البعض يرتزق بالعمل . وكان أرسل إلينا إلى حيفا حضرة المنسينيور فرنسيس الخوري النائب الأسقفي في صور شيئا ً من المال . ثم بعث حاكم صور مراكب شراعية لعودتنا إلى لبنان مع كتابة لحاكم حيفا لكي يسهل لنا أمر سفرنا فقابلنا الحاكم في حيفا وسلمناه كتاب حاكم صور، فسألنا اذا كان بودنا الرجوع إلى وطننا فأجبنا أن الشبان يعودون ويبقى في حيفا باقي الاهالي لان الأمن لم يستتب بعد عندنا، فطلب إلينا أن نكتب تقريرا ً فيه نفيد عن الحال ونبين ً أننا نخشى الرجوع إلى وطننا لعدم استقرار الأمن فرأينا في ألامر مساسا بالحكومة الإفرنسية فأبينا فلم يرق رفضنا هذا في عين الحاكم الإنكليزي وصرح لنا أنه لابد أن يضم قسم من لبنان الجنوبي إلى فلسطين وإن نهر القاسمية الليطاني سيكون حدود البلدين. عاد البعض إلى صور ثم من بعدها بمدة عاد باقي المهاجرين وكان أوفد حاكم صور (المراكب) السفائن ثانية.
-يتبع صفحة٩
الصفحة ٩ - في أثناء تلك المدة بعد حادث عين أبل بنحو اسبوعين حملت قوة من الجنود الافرنسية بقيادة الكولونيل نيجر على جبل عامل لتقتص من الثائرين . ولم يكن وقتئذ طرقات للسيارات فأتى العسكر من صور مئة بياده مشاة ومنه سواري على الخيل ووجهتهم بلدة تبنين حيث قلعة الصليبيين القديمة .وما أن علم الشيعيون بالامر حتى دب الحماس في قلوب بعضهم وهبوا لمقاومة الجنود الزاحفة. فاجتمع بعض مئات بقيادة زعماء المنطقة وعلى رأسهم الحاج محمد سعيد بزي من بنت جبيل . واختاروا قلعة تبنين المذكورة حصن يحاصرون فيه . وخطب الزعماء ينشطون رجالهم . لكن ما ( أن ) كادت جنود الحملة تقترب ويرى المحاصرون ما هنالك من القوة حتى ادركوا ضعفهم وايقنوا الهلاك أن هم قاوموا . وفروا هاربين من مكمنهم .فقصدت بعد ذلك الحملة بنت جبيل وتوغلت في داخلية البلاد لكن السكان كان الخوف قد استولى عليهم وهاجروا قراهم قاصدين فلسطين ولم تصادف الحملة مقاومة. ويا للعجب من هربهم فإنهم كانوا يدعون أنهم ثاروا ونهضوا في سبيل ضم جبل عامل الى الحكومة السورية، فهل يدركون بغيتهم وينالون أربهم دون أن يضحوا بنقطة دم من دمائهم فيفرون من وجه القوة حال ظهورها. الا يعلمون أن الشرف لا يسلم من الأذى ما لم تراق الدماء على جوانبه.
طافت الجنود في طول البلاد وعرضها بعد أن أرسل قائدها من تفقد حال عين أبل وشهد خرائبها وقدم له تقريرا ً بما رأى . وكان أصدر أمرهم بإطلاق المدافع على بيت محمود الأحمد في بنت جبيل وهو كما تقدم كان من زعماء الثائرين وتوجهت
---يتبع ص ١٠
الصفحة ١٠- إلى جهة الطيبة وقبل أن يبلغوها أرسل الكولونيل نيجر يستدعي اليه كامل بك الأسعد فأتى وتقابلا و ابدى له الكولونيل رغبته في زيارته فترحب به لكن أحد زعماء الشيعيين الذي كان يرافق الحملة أوعز الى البيك أن يغادر لبنان بحجة أن القائد يضمر له الشر, فعمل بنصيحة الزعيم الشيعي وترك داره ليلاً ولجاء إلى فلسطين وحالما حضر الكولونيل نيجر في الغد إلى الطيبة وجد دار الكامل خالية من السكان وكان رافق الحملة بعض شبابنا من العينبليين من حين خروجها من صور وحال مرورهم في بنت جبيل حرقوا بعض بيوتها ساعدهم في ذلك سكان القرى اﻟﻤﺠاورة الذين كانوا اتوها بقصد سلب ما تركه أهلها فيها بعد مهاجرتهم .
وبعد ذلك بمدة دعي أوجه البلاد إلى اجتماع في صيدا خطب فيه الكولونيل نيجر وأعلن فرض غرامة على الشيعيين في جبل عامل قدرها مائة ألف ليرة عثمانية ذهبا ً وحكم بالإعدام على نحو أربعين من زعماء الشيعة منهم كامل البك الأسعد وكل المحكومين كانوا مهاجرين الى فلسطين وأخذت الحكومة تجمع الغرامة بإستدعاء الرؤساء اليها ووضع المسؤولية على كل منهم بجمع المال من أهل قريته و ما مرت بضعة اسابيع حتى دفعت القيمة كاملة. أما المحكومون اعداما فقد صدر عنهم عفو بعد أشهر وعادوا إلى بيوتهم امنين .
لم يكن رجوع مهاجري عين أبل إلى بلدتهم في آن واحد فكما تقدم كان تشتت أهالي عين أبل في أماكن مختلفة من فلسطين وأكثرهم ذهب إلى حيفا ومن كان منهم قريبا من الحدود كان يتفقد البلدة خلسة في الليل ويدفنون ما يعثرون عليه من جثث قتلى الحادثة. وفي أوائل شهر حزيران
يتبع صفحة ١١
--الصفحة ١١-
بدأوا يعودون أفواجا ً وكانت البلدة بهيئة كئيبة ينفطر لها الفؤاد وتفتت الكبد. فكان الداخل إليها يشعر كأنه بين أنقاض خرائب قديمة .كانت النار التهمت أكثر البيوت والتي لم تحرقها النار كانت دمرت سقوفها ونهبت اخشابها وابوابها . فقد علم القارئ أننا أخذنا على حين غرة ولم نتمكن أن ننقذ شيء من مقتنياتنا حال هربنا وأن الثوار اعملوا النار في القرية حين استيلائهم عليها . فرأينا حين رجوعنا المساكن خربة وكل مقتنياتنا من مواشي وأثاث إلى غير ذلك مما ورثناه عن ابائنا وإقتنيناه لانفسنا كل ما نملك كان نهب وأكلته النيران، ووجدنا في الشوارع بعض عظام من بقايا قتلانا الذين لم يتوفق دفنهم قبلا فجمعناها بإكرام وواريناها التراب. وكان عدد الضحايا منا إثنين وأربعين قتيلا ً أكثرهم من النساء والشيوخ الذين لم يستطيعوا إلى الهرب سبيلا ً وقضى عليهم جيراننا الشيعيون ولم ً تتحرك في قلبهم عاطفة الانسان على ضعفاء عاجزين لم يحملوا سلاحا و لا يستطيعون مقاومة.
ان القتلى من المهاجمين لم نعلم عددهم لأننا غادرنا محل الموقعة هاربين وكان الثائرون بعد ذلك يتكتمون في الأمر لكي لا تلصق في قراهم تهمة الهجوم على عين أبل ويضطرون لتحمل دفع قيمة كبيرة من الغرامة وعلمنا بعد حين أن القتلى منهم لم يكونوا أقل عددا ً من قتلانا. أن عين أبل لم تنل نصيبا ً وفيا ً من التعويض عما اصابها من الخسائر في تلك النكبة فالحكومة لم تصلح شيئا ً مما ًكان حرق وهدم من المساكن كما فعلت في حاصبيا واكتفت أن تدفع مبلغا من المال لكل من الأهلين لا توازي قيمة عشر ما فقد
---يتبع ص ١٢
الصفحة ١٢- فمجموع ما دفع من المال لاهالي عين أبل لا توازي قيمته ثمن ما سلب منها من المواشي من ابقار وخيل وماعز وغيره، وكل يعلم ما كانت عليه الحاجيات والمواشي من ألاثمان في تلك السنين، فإن أحدنا مختار القرية أسعده الحظ بإنقاذ فرس من النهب وحال وصوله ً إلى صفد باع نصوتها(؟) بمائة وخمسين ليرة مصرية وبعضهم أنقذ قطيعا من الماعز كان يبيع الواحدة منه من الثلاث ليرات مصرية إلى الخمس ليرات. وحالما أخذنا بابتياع بعض المواشي نستعين بها على العمل كنا نشتري رأس البقر من الخمس عشرة ليرة مصرية إلى الخمسين ليرة.
ولما باشرنا ترميم مساكنا كنا ندفع للمعلم العمار أو النجار من الثمانين قرش مصرية إلى المئة ونقدم له ألمؤونة.
إن نكبة سنة العشرين كانت وطأتها علينا مع حفظ المناسبة مثل وطأة الحرب الكبرى على المدن والقرى التي دمرتها مدافع الأعداء بل أشد لان بلدتنا خربت كل بيوتها وسلبت كل موجوداتها ولذلك اضطر الكثيرون منا على المهاجرة إلى فلسطين لعدم استطاعتهم ترميم بيوتهم ليسكنوها .ولم يعودوا إلى ألان ولم تزل بيوتهم خربة ولكن مهاجرتهم كانت خيرا لهم لأنهم ألان في حيفا برخاء ورغد فبنوا بيوتا فيها، ومنهم اصبحوا من المثريين عندهم دخل شهري من اجارات مساكن ثلاثون وأربعون ليرة فلسطينية
فكم من نقمة تعود على ضحيتها خيرا . ولاعجب فإن فلسطين الان عموما برخاء واسعة عيش يحسدها عليهما جيرانها من اللبنانين .وكم من لبناني يتمنى أن يتيسر له المهاجرة إلى فلسطين.
-------
jtk
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire