كلنا للوطن .أي وطن؟

SmileyCentral.com

vendredi 8 mai 2020

"شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ،دار النهار ٢٠١٠"

Bonjour de Ainebel,Kifkon ya shabe محرقة عين ابل ٥ ايار ١٩٢٠
محرقة عين ابل بأقلام مؤرخي جبل عامل

وراءها بقايا عثمانيين وعصابات

من  كتاب تمارا الشلبي :

"شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ،دار النهار ٢٠١٠" .

كتابة التاريخ تعوزها الموضوعية والرصانة ، وحب للحقيقة حتى ولو جاءت نتيجتها مخالفة للمصالح الشخصية!!
١- في كتاب "شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ١٩١٨- ١٩٤٣" الصادر عن دار النهار " قبل عشر سنوات (٢٠١٠) للمؤلفة تمارا الشلبي يتوقف القارىء معها على حقائق قلما تم التطرق اليها بتلك الصراحة والموضوعية اللتين يمكن ان يتحلى بهما باحث في تاريخ الاحداث اللبنانية المأسوية. لا سيما وان مؤلفة الكتاب تحسب مبدئيا من حيث فعل الواقعة والقراءة التاريخية لما سمي ب " محرقة عين ابل ، هولوكوست الخامس من ايار ١٩٢٠"  في موضع الفريق الفاعل لا الضحية. هكذا توهمت انا  مسبقا قبل الشروع في القراءة. ولكن مع ذلك فوجئت انه كان للمؤلفة من الموضوعية والجرأة ما جعلها تستحق بجدارة صفة مؤرخة . لم تستحق وحدها هذه الصفة وحسب. بل شاركها فيها ايضا مقدم الكتاب الدكتور والباحث في التاريخ منذر جابر ، خاصة وانه هو الذي يسجل على رصيده الثقافي احد اكثر الابحاث المعتمد عليها لدرس موضوع " مؤتمر وادي الحجير ".هذا الحدث  التاريخي الذي وقع قبل قرن كامل بالتمام في -٢٤ نيسان عام ١٩٢٠ ، وكان من اثاره تاريخ اخر جديد للبنان الكبير، وما استتبعه بعد ايام من حدث مأسوي لا يزال يشكل جرحا عميقا في الوجدان اللبناني عامة والوجدان الشيعي بنوع خاص، عنيت به " مذبحة عين ابل" في الخامس من ايار من السنة عينها .
٢- ان ما شدني الى متابعة قراءة هذا الكتاب انما هو الصراحة والموضوعية التي بدت لي ، بعد ان توقعت غير ذلك ، لا سيما وانه يفترض بالمؤلفة ان تتماهى بالفاعل المتجانس معها طائفيا في الفعل وفقا لاكثر من ذريعة في ما يعني الانحياز للضحية او الجلاد في لغة علماء الانتروبولوجيا والتاريخ .
تتبعت في الكتاب قضية مأساة عين ابل التي وقعت عام ١٩٢٠ اثر مؤتمر الحجير الذي ضم مئات الشخصيات الشيعية لتقرير مصير ما يعرف اليوم بجنوب لبنان ، جبل عامل.
تشدني الفضولية الى معرفة حقيقة العصابات الشيعية التي وقعت على يدها محرقة عين ابل ، البلدة المسيحية الواقعة عند اخر الحدود الجنوبية من لبنان الكبير الحالي. وكان لي من بين الضحايا الماية اقرباء وجيران ، اطفال وشيوخ ونساء وعدد اقل من شباب تسلحوا بما استطاعوا اليه سبيلا من اموالهم الخاصة دفاعا عن نفس وعرض وبيت .
- بخلاصة مطالعة هذا الكتاب سجلت بعض النقاط التي تهمني مما له صلة بالعنف والارهاب ، وبظاهرة التسلح وتشكيل العصابات والعصبية والعنف مما لفتني ويندرج ضمن اهتمام القارئ اللبناني الساعي الى معرفة الحقيقة. فكان منها ما يلي:
١- حول ظاهرة انتشار السلاح بين ايدي عناصر العصابات بعد انهزام الجيش العثماني امام جيوش الحلفاء في لبنان وسوريا في اعقاب الحرب العالمية الاولى ومسؤولية الامير فيصل وحكومته العربية مباشرة وخصوصا مسؤولية شقيقه الامير عبدالله في شرقي الاردن .تخلص المؤرخة تمارا الشلبي في كتابها المشار اليه واستنادا الى صحيفة البشير التي رافقت القوات الفرنسية الى جنوب لبنان الى ان " المحور الرئيسي للعمليات العسكرية للعصابات كان يمر عبر حاصبيا وراشيا ، وهذا ما اتاح لها ان تقيم اتصالا مباشرا مع دمشق مرورا بجبل الدروز" (راجع ايضا "مجلة العرفان ٣٣ ص ٢٥٦).
"يذكر احمد رضا اسماء ضباط في الجيش العربي ( يقومون بدور التدريب والتوحيه) مثل علي خلقي واحمد مريود وسعيد العاص كانوا يتواجدون مع العصابات في بعض القرى العاملية قرب جسر الخردلي" ( ص ١٥٩)
- تستند الى كتاب "يقظة العرب " لجورج انطونيوس لتشير الى " شكل من اشكال تدخل فيصل في اعمال العصابات وتغاضيه عن مهاجمة بعض الضباط العرب لمواقع قرب الحدود الجنوبية اللبنانية . كما يدلل مؤرخ اخر مثل قدري قلعجي على دعم فيصل للعصابات برسالة بعث بها الجنرال غورو يتهمه فيها بمساندة العصابات وتدريبها كما افاد قائد الفرقة الثالثة للجيش العربي قرب حلب. (ص ١٥٩)،
٢- العصابات :تروي الكاتبة انه في تلك المرحلة بين ١٩١٩- ١٩٢٠ كانت تتواجد في جبل عامل اكثر من ١٢ عصابة .ثلاثة من قادة تلك العصابات كانوا اكثر شهرة من بين الاخرين وهم: ادهم خنجر،صادق حمزة، محمود الاحمد بزي،. وجميعهم ينتمون الى عائلات جنوبية معروفة. توضح تمارا الشلبي انه" لم يكن واضحا انغماس هؤلاء القادة في الجهاد القومي" مشيرة الى ان الصدامات مع الجيش الفرنسي كانت تترافق مع " عمليات سلب ونهب للقرى والقوافل على طرقات جبل عامل، " . وفي رواية شائعة كان صادق الحمزة يقوم بسرقة موظفي الحكومة المكلفين بجباية الضرائب ،ثم يعيد توزيعها على اهالي القرى " ( ص ١٦٠) . يشير الشيخ سليمان ظاهر ان افراد العصابات العاملية هذه حولت نشاطها مع مرور الزمن من اعمال السلب والنهب وقطع الطرقات مع عصابات البدو الى مقاتلة الفرنسيين . وهذا ما جرى على جسر الخردلي ( تقرير بتاريخ ٩ تشرين الثاني ١٩١٩ ) .
-في موازاة تلك الاحداث كانت صحف اخرى تصف العصابات حرفيا باللصوص وقطاع الطرق . عموما لم تكن التقارير الصحفية تعطي انطباعا بان العصابات كانت حركة ثورية ولها اتباعها في جبل عامل.
٣- وبخصوص صادق الحمزة تحديدا ترى الكاتبة ان اصوله تعود الى عائلة آل الصغير ولكنه غير معترف بمكانته من قبل فرع الزعامة القائدة في هذه العائلة اي فرع آل الاسعد . لذلك حاول الزعيم كامل الاسعد عضو البرلمان العثماني ، من ضمن سياسة العصبية الحزبية، اعادة توطيد مركزه بدعمه قيام جماعات مسلحة اخرى مناهضة لصادق الحمزة تساعد الفرنسيين في حربهم ضده . من هنا كان تعاونه مع الجنرال شاربنتيه الفرنسي من اجل تشكيل "حرس وطني" من متطوعي الشيعة من اجل موازنة العصابات والوقوف في وجهها. (المرجع نفسه ص ١٦٢).
٤- امام هذا التخبط الاهلي حيال الموقف من العصابات وخاصة عندما طاولت اعمالها العلاقات الشيعية المسيحية وجّه اعيان شيعيون شرفاء من جبل عامل رسالة الى صادق الحمزه يستحلفونه فيها ان يكف عن الهجوم على القرى المسيحية في منطقة الشقيف ، خوفا من ان يؤول ذلك الى خراب الوطن ويحول دون السعي الى التفاهم بين الطوائف الاسلامية والمسيحية، والذي من دونه حسب تعبيرهم " لا يرجع الوطن الى ما كان عليه من الامان والراحة الا باتفاقهما" . كما يذكر احمد رضا في مذكراته ، (العرفان م ٣٤ عدد ٣ ص ٣٥٤ )، مضيفا الى ذلك بكلام جد مؤثر يوجهه الى قادة العصابات : 
" نستحلفكم بالله والشرف ان تكفوا . فقد لبست الشيعة ثوب العار بنظر العالم المتمدن" .( ص ١٦٣ ) .
تتابع تمارا الشلبي في كتابها حول العصابات  العصابات انها كانت  تستند ايضا الى دعم غير مباشر من دمشق من خلال العشائرية والعائلية اكثر من استنادها الى الزعماء السياسيين .
٥- في تلك الجواء من شهر نيسان انعقد مؤتمر وادي الحجير (٢٠ نيسان ١٩٢٠) ليكون حدثا اشكاليا في الخطاب الشيعي، مظهرا مدى محدودية نفوذ الزعماء لصالح العصابات . فيه " كررت القيادة العاملية الغلطة ذاتها بمؤازرتها لحكومة فيصل العربية .." ( المرجع نفسه ص ١٦٥)
- كان من ثغرات هذا المؤتمر انه جاء اجتماعا طائفيا يلتقي فيه شيعة جبل عامل وحدهم من دون ممثلين عن الطوائف الاخرى ، للبحث في مصير وطني مشترك .
- من جهة ثانية جاء المؤتمر بمثابة تنازل من قبل الزعامة الشيعية المدنية التقليدية لصالح العصابات وحلفائهم من زعماء القبائل البدوية ، بعد ان رفض رؤساء العصابات عقد المؤتمر في الطيبة مقر ال الاسعد التاريخي، مما رجح كفة رؤساء هذه العصابات في التأثير على رجال الدين الذين باتوا ينفذون ارادة العصابات ولا يستوحون الروح الوطنية الصحيحة،بل روحا قبلية اصولية تمثلت بالفتوى التي ذكر انها صدرت بالفعل عن رئيس المؤتمر، ولم توفر من اهدافها لا النساء ولا الاطفال خلافا لكل شريعة ، كما اظهرت عملية التنفيذ كما ظهرت فعليا في تنفيذ مجزرة عين ابل وسواها من القرى المسيحية في جبل عامل بعد اقل من اسبوعين على صدور الفتوى . فتوى اكد صدورها عن قيادة المؤتمر مطران صور للروم الكاثوليك مكسيموس الصايغ ، ثم لاحقا برقية صادرة عن الجنرال غورو بذاته الى وزارة الحرب الفرنسية في باريس.( موثقة )
٦ - طمسا لحقيقة ما جرى داخل المؤتمر تشير تمارا الشلبي بصورة جريئة وملفتة الى " الاغفال شبه التام وعدم الحديث -عن هذا الحدث التاريخي- في المصادر العاملية الاولية التي تؤرخ للمرحلة . فبالاضافة الى السكوت المتعمد للجنة المكلفة بتدوين محاضر جلسات المؤتمر والى فقدان المحضر الاساسي الموقع من قبل الرؤساء الدينيين والزعامات وقيادات العصابات ....لا تشير هذه المراجع الى المؤتمر الا بعد حصول المجازر بحق المسيحيين ومن دون اية تفصيلات عن المداولات داخل المؤتمر ...( ص ١٦٦)
- السيد عبد الحسين شرف الدين رئيس المؤتمر كتب مذكراته بعد سنوات من عقده . من هنا تستنتج المؤلفة ان الاختصار في الرواية كان سمة اساسية في رواية محمد جابر ، كما لدى اعلام الثقافة في جبل عامل الذين " يبذلون جهدا متناغما لاعادة كتابة الاحداث التي تمحورت حول مؤتمر وادي الحجير ، اقرارا منهم بحساسية القرارات المتخذة اثناءه وبخاصة بعد ما نتج عنها من محرقة عين ابل. وبعدما بات الواقع السياسي الجديد لجبل عامل جزءا من الدولة اللبنانية ، بحيث بات محو تلك الوصمة من سجل الجماعة مهمة ملحة . لذا كان شبه الاجماع العاملي على تغيير الحقائق ،مع انه ليس بالامر السهل اعادة تركيب الاحداث التي ادت الى انعقاد المؤتمر واحاطت بنتائجه. " كما تقول ( المرجع نفسه ص ١٦٥- ٦٦) .
وما يدهش في تأكيد هذا العرض الصادم بحقيقته وبما ينطوي عليه من مأساة تاريخية هو ان مقدم كتاب تمارا شلبي هذا الذي نحن بصدد الاعتماد على مضمونه في عرض موضوعنا ما هو الا المؤرخ العاملي المعروف بأبحاثه الرصينة ، عنيت به الدكتور منذر محمود جابر صاحب ابرز اطروحة جامعية في موضوع مؤتمر الحجير. مما يضفي على عرض المؤرخة تمارا شلبي مصداقية اضافية على مضمون ما اوردته بخصوص محرقة عين ابل.
جزء ١
ويتبع جزء ٢

ج- ت خريش

samedi 2 mai 2020

قراءة في الحق والحقيقة ،انتصار الضحية وانتحار الحاكمية



 منذ ألفي عام تقريباً، جرت محاكمة يسوع وإدانته من قبل من تمرسوا بالحكم والشريعة ، ورفضوا تقبل رسالة المحبة والسلام. في الواقع، لقد واجه يسوع ، وهو القائل :" انا الطريق والحق والحياة " ، ست محاكمات في أقل من يوم واحد، ثلاث منها دينية، وثلاث اخرى مدنية سياسية .
وفي النهاية، إستطاع عدد قليل فقط ممن إشتركوا في هذه الأحداث أن يجيبوا على سؤال ليلاطس الحاكم : ما هو الحق والحقيقة؟؟
اولا : "ما هو الحقيقة والحق ، سؤال بيلاطس ؟"
- بعد إلقاء القبض على يسوع إقتيد أولاً إلى رجل يدعى حنانيا، وكان هذا رئيس كهنة سابق . اثناء المحاكمة قام حنانيا بتجاوز العديد من قوانين الشريعة ، منها : إجراء المحاكمة في بيته، ومحاولته الملتوية بجعل المتهم يوجه لنفسه الإتهام، ثم ضرب المتهم، وكل ذلك قبل اثبات اي جريمة تذكر بعد على المتهم .
- بعد المثول امام حنانيا، إقتيد يسوع للوقوف أمام رئيس الكهنة ، قيافا، الذي صودف أنه كان زوج إبنة حنانيا. وأمام قيافا والمجمع (السنهدريم ) تقدم العديد من شهود الزور ليدلوا بشهاداتهم ، ولكنهم لم يتمكنوا من إثبات أي جرم على المتهم لانهم لم يجدوا دليلا على خطأ ارتكبه .في تلك المحاكمة خالف قيافا سبع قوانين على الأقل ضد اصول المحاكمات :
(1) عقد المحاكمة سراً؛
(2) عقد المحاكمة ليلاً؛
(3) ادخال الرشوة على المحاكمة ؛
(4) غياب الدفاع عن المتهم؛
(5) عدم وجود شاهدين أو ثلاثة؛
(6) إستخدام شهادة المتهم لإدانته؛
(7) اصدار عقوبة الإعدام وتنفيذها بحق المتهم في اليوم نفسه.
كل هذه الأجراءات كانت ممنوعة مبدئيا في الناموس اليهودي. ولكن بالرغم من ذلك، أعلن قيافا إدانة يسوع، لأنه قال عن نفسه انه ابن الله في الجسد، وهو ما اعتبره قيافا تجديفاً فظيعا .
- عند الصباح، أجريت محاكمة ثالثة ، انتهت باعلان المجمع ( السنهدريم) القضاء بالاعدام على المتهم. ولكن بالعودة الى قوانين ذلك المجلس يتبين انه لم يكن له الحق مطلقا بتنفيذ عقوبة الإعدام ، فأضطر الى أن يسلم يسوع إلى الحاكم الروماني الذي كان في ذلك الزمان بيلاطس البنطي والذي كان الامبراطور طيباريوس قيصر قد عينه حاكما خامسا على اليهودية في ذلك المنصب عام 26-36 م. علما ان الحاكم الروماني كان يملك السلطة بالقضاء حياة او موتا على اي كان من رعايا ولايته ، وكان بالتالي يعود اليه الحق بإبطال عقوبة الإعدام الصادرة عن السنهدريم اذا ما شاء ذلك.
- عندما مثل يسوع أمام بيلاطس، كال له اعداؤه المزيد من الأكاذيب من مثل : "إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ" قَائِلين: "إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ" (لوقا 23: 2). وكان هذا كذباً وافتراء ، لأن يسوع كان قد قال للجميع بأن يؤدوا "ما لقيصر لقيصر وما لله لله " (متى 22: 21) ولم يتحدث أبداً عن نفسه كمنافس لقيصر.

- بعد هذا جرى حوار لافت بين يسوع وبيلاطس في دار الولاية حيث "دَخَلَ بِيلاَطُسُ وَدَعَا يَسُوعَ قائلا: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟
أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟
أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا.
فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟
أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي.
قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: مَا هُوَ الْحَقُّ؟" (يوحنا 18: 33-38).

- سؤال بيلاطس هذا لا يزال يتردد صداه عبر التاريخ : "ما هو الحق والحقيقة ؟".
هل كان ذلك رغبة دفينة منه لمعرفة ما لا يستطيع آخر أن يدلي به، أم إهانة ساخرة، أم ربما إجابة لامبالية أو غاضبة من ذي سلطان ؟
من الواضح أن بيلاطس لم يصل إلى معرفة الحق والحقيقة. لذلك فانه ، كما سجل يوسابيوس المؤرخ وأسقف قيصرية، إنتحر في النهاية أثناء حكم الإمبراطور كاليجولا . فكانت نهاية مؤسفة وعبرة للجميع بأن تجاهل الحق والحقيقة يقود دائماً إلى نتائج غير محمودة.
إعتقد بيلاطس وقادة اليهود أنهم يحكمون على المسيح، بينما في الحقيقة، كانوا هم الذين يُحاكَمُون.

ان عالم ما بعد الحداثة الذي ينكر إمكانية معرفة الحق والحقيقة ، يظل يهجس بهذا السؤال البالغ الاهمية والمطروح دائما على الضمير !

ثانيا : ما هو الحق، ما هي الحقيقة في مدارس فلسفية ؟
١•- هل الحق والحقيقة هما كل صالح ومفيد؟ - في الفلسفة البراجماتية العملية ، الغاية تبرر الوسيلة . وقد تكون الأكاذيب بالتالي "نافعة" من وجهة نظر ولكنها تظل أكاذيب لا حقيقة..
- الحق ليس ببساطة ما هو ثابت يقيني، مفهوم. يمكن أن تلتقي مجموعة من الناس على امر ما فيشكلون منه مؤامرة، استنادا على مجموعة من الأكاذيب او يتفق جميعهم على رواية امر ما زورا وبهتانا ، ولكن كل ذلك لا يجعل مما يقدمونه امرا حقيقيا.
• الحق ليس ما يحمل الى الشعور بالموافقة والقبول او الرضا . قد تكون الأخبار سيئة غير مقبولة ولكن وقعية صادقة.
• الحق ليس ما تُجمع الأكثرية العددية على اعتبار أنه حق.
• الحق ليس ما يبدو شاملا او كاملا. يمكن أن يخلص عرض مفصل ما إلى نتيجة مزيفة وخاطئة أيضاً.
• الحق لا يتم تعريفه بالنوايا. قد تكون النوايا الحسنة خاطئة.
• الحق ليس ببساطة ما هو قابل للتصديق. فالكذبة التي يتم تصديقها تظل كذبة.
• الحق ليس ما يثبت في الجهر والعلن . يمكن أن يعرف الحق في السر والخفية. (مثلاً: مكان كنز مدفون).

٢- إن كلمة "الحق" veritas باللاتينية ،وكلمة alētheia باليونانية و" قوشتو" بالسريانية تعني " الحق" القائم والموجود دائماً، والمتاح لنظر الجميع . كذلك في اللغة العربية تحمل كلمة "قائم وقيوم" معنى "التماسك" و "الثبات" و "الدوام". هذا التعريف يشير إلى امر ما أو كيان أبدي يمكن الإعتماد عليه.
من وجهة نظر فلسفية توجد ثلاث تعريفات بسيطة للحق:
1. الحق هو ما ينسجم مع الحقيقة.
2. الحق هو ما ينسجم مع موضوعه.
3. الحق هو عرض الواقع كما هو.

-الحق ينسجم مع الحقيقة والواقع والطبيعة . إنه حقيقي واقعي طبيعي .
بكلمات أخرى، إنه يتفق ويتسق مع موضوعه، ويعرف بمرجعيته ومستنده ،
-الحق ببساطة هو عرض الأمر كما هو؛ إنه حقيقة الأشياء، هو التمييز بين الحقيقة والخطأ، أو بعبارة توما الإكويني البسيطة : "إن التمييز هو مهمة الفلاسفة ، الحكماء" .

ثالثا: تحديات الحق والحقيقة

هناك عدد من الفلسفات والنظريات العالمية التي تقدم تحديدا لمفهوم الحقيقة، ولكن عندما يتم فحص كل منها يتضح أنها بطبيعتها غير مكتملة .
١- فلسفة النسبية relativisme تقول بأن كل الحقيقة نسبية ولا يوجد ما يسمى حقيقة مطلقة. ولكن علينا أن نسأل: هل الإدعاء بأن "كل الحقيقة نسبية" هو حقيقة نسبية أم مطلقة؟
إذا كان هذا الإدعاء بحقيقة نسبية، فهو اذا لا معنى له؛ فكيف نعرف متى وأين نطبقه؟ وإذا كان حقيقة مطلقة ، يكون الحق المطلق موجودا اذا.
- وفوق ذلك، إن من يؤمن بالنسبية يناقض موقفه بذاته عندما يقرر أن موقف من يؤمن بالمطلق خاطىء.
– لماذا لا يكون من يقولون بوجود الحق المطلق على صواب أيضاً؟ أي أنه في الواقع، عندما يقول من يؤمن بالنسبية "لا يوجد حق" فإنه يطالبك بألا تصدقه وأفضل شيء هنا هو أن تصغي لما ينصحك به.
- يقول الفيلسوف ابن رشد: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي الكافر خطأ يحتمل الصواب. فاذا كان الكافر جزاؤه القتل شرعا، فكل منا يستحق الموت. ولكن بدلا من ان نتكافر ونتقاتل ، دعنا نتحاور ....

٢- إن من يتبعون فلسفة الشك، scepticisme - اللاأدرية - ، هم ببساطة يشكون في كل الحق. ولكن هل يشك في ما يدعي أنه حق؟
في هذه الحالة، لماذا نعير الشكك أي إهتمام؟ وإذا كان الأمر غير ذلك، فيمكننا أن نتأكد من أمر واحد على الأقل (بكلمات أخرى، يوجد حق مطلق)
– إن الشكك، في هذه الحالة يصبح هو الحق المطلق. يقول اللاأدري أنك لا يمكن أن تعرف الحق. لكن الفكر نفسه يدحض هذا لأنه يدعي حقيقة واحدة على الاقل: أنك لا يمكن أن تعرف الحق.

٣- إن أتباع ما بعد الحداثة post modernisme لا يؤكدون أية حقيقة معينة. فريدريك نيتشه وصف الحق بأنه جيش متحرك من الإستعارات، والكنايات، والتشبيهات ... الحقائق هي أوهام ..نقود مالية معدنية ، بهتت الصورة عليها وصارت مجرد قطع معدنية، لم تعد لها قيمة نقدية مالية. . ومن السخرية، أنه رغم أن أتباع ما بعد الحداثة يمسكون في إيديهم نقودا صارت الآن "مجرد قطع معدنية" فإنهم يؤكدون على الأقل حقيقة واحدة : يجب عدم تأكيد أية حقيقة.

٤-التعددية : pluralisme هي من النظريات العالمية الرائجة. تقول بأن جميع الحقائق متساوية في مصداقيتها. بالطبع انه أمر مستحيل. فهل يمكن لإدعائين – أحدهما يقول بأن سيدة ما تحمل طفلاً، والآخر يقول أنها ليست حاملاً – أن يكون كلاهما صادقاً في الوقت نفسه؟ .
- التعددية هي توجه فكري يرحب بالتسامح. ولكنها تخلط بين فكرة تساوي الجميع في القيمة وبين تساوي مصداقية كل ما يزعم أنه حق . ببساطة، قد يكون جميع الناس متساوين، ولكن ليست كل إدعاءات الحق كذلك.
- تفشل التعددية في إدراك الفرق بين الرأي والحق، وهو تمييز يقول عنه موريس آدلر: "التعددية مرغوبة ومحتملة فقط في المجالات المتعلقة بالذوق لا في الأمور المتعلقة بحقيقة الوجود والواقع.

رابعا: الحقيقة المستفز ّة
عندما توجه إهانة الى مفهوم الحقيقة، يكون ذلك عادة لسبب أو أكثر من الأسباب الآتية:

-من الإتهامات الشائعة ضد أي شخص يدعي إمتلاك الحق المطلق في أمور الدين والعقيدة هو أن مثل هذا الموقف يعتبر "ضيق الأفق". ولكن، يفشل الناقد عندما يحكم بأن الحق بطبيعته محدود. فهل يعتبر معلم الرياضيات ضيق الأفق بتمسكه بالإعتقاد أن 2 + 2 تساوي 4 فقط؟

- من الإعتراضات الأخرى على الحقيقة هو أنه من الغرور بمكان الإدعاء بأن شخصا ما على صواب والآخر على خطأ. ولكن، بالرجوع إلى المثال السابق في الرياضيات، فهل من الغرور أن يصر معلم الرياضيات على إجابة وحيدة صحيحة لمسألة حسابية؟ وهل من الغرور أن يصر صانع المفاتيح على أن مفتاحاً واحداً فقط يفتح باباً مغلقاً؟

- رد آخر على من يتمسكون بالحقيقة المطلقة في أمور العقيدة والدين هو أن مثل هذا الموقف يستبعد الآخرين بدلاً من أن يحتويهم. ولكن مثل هذا الإعتراض لا يدرك أن الحقيقة بطبيعتها تستبعد ما هو ضدها. فكل الإجابات تستبعد ما عدا الاجابة بان حقيقة رقم 4 هي مجموع 2 + 2.

- إعتراض آخر ضد الحقيقة هو أن الإدعاء بإمتلاك الحق هو أمر مستفز ومسبب للإنقسام. الحق أيضاً لا يتأثر بدرجة الإخلاص. إن من يمسك بزجاجة سم معتقداً بإخلاص أنها عصير ليمون سيعاني مع ذلك من تأثيرات السم المؤسفة.
- الحقيقة لا تتأثر بالرغبة. قد يرغب شخص ما بشدة ألا يكون بنزين سيارته قد نفذ، ولكن إذا دل المؤشر على أن خزان الوقود فارغ فلن تسير السيارة، ولا يمكن لأي رغبة في العالم أن تجعل السيارة تستمر في سيرها.

- الايجابية المنطقية : قد يؤمن البعض بوجود حقيقة مطلقة، ولكن هذا الموقف يصح فقط في مجال العلوم وليس في أمور العقيدة والدين. هذه فلسفة تعرف بإسم الإيجابية المنطقية، سار عليها فلاسفة مثل ديفيد هيوم . يؤمنون بفكرة أن العلم فقط يمكن أن يصنع الحقيقة ولا يدركون أنه توجد مجالات عديدة للحقيقة يعجز عنها العلم.
مثلاً:
• العلم لا يستطيع إثبات مبادئ الرياضيات والمنطق لأنه يفترضها مسبقاً.
• العلم لا يستطيع إثبات الحقائق الماورائية الميتافيزيقية مثل وجود عقول بجانب عقلي.
• العلم لا يستطيع تقديم الحقيقة في مجال الأخلاق والمبادىء. .
• العلم لا يستطيع تقرير الحقائق في مجال الجمال مثل جمال شروق الشمس.
• أخيراً، عندما يقول شخص ما : "العلم هو المصدر الوحيد للحقيقة الموضوعية" فإنه بهذا يقدم إدعاء فلسفيا .وهو ادعاء لا يمكن قياسه بالعلم .
- هناك من يقول أن الحقيقة المطلقة لا تنطبق على مجال الأخلاق. لكن إجابة السؤال القائل: "هل من الأخلاق تعذيب وقتل طفل بريء؟" هي مطلقة وكونية: كلا. أو بصورة شخصية أكثر، من يتبنون الحق النسبي بشأن الأخلاق يبدو أنهم دائماً يريدون أن يكون شريك حياتهم أميناً بصورة مطلقة لهم.

الخلاصة
إن السؤال الذي طرحه بيلاطس البنطي منذ قرون مضت يجب إعادة صياغته لكي يكون دقيقاً بصورة كاملة. إن عبارة الحاكم الروماني: "ما هو الحق؟" تغفل النظر عن حقيقة أن أشياء كثيرة قد تحتوي على حقيقة، ولكن شيئا واحدا يمكن أن يكون هو الحق والحقيقة . ويجب أن ينبع من مصدر ما.

الحقيقة القاسية هي أن بيلاطس كان منذ أكثر من ألفي عام ينظر مباشرة إلى مصدر من قال عبارته البسيطة: "أنا هو الحق" (يوحنا 14: 6).
عبارة مدهشة. من يمكن أن يكون قائلها ما لم يكن أكثر من مجرد إنسان. (رومية 1: 4)
الحقيقة اذا عرفناها عرفنا معها الحرية .
"تعرفون الحق والحق يحرركم" ( يوحنا 38: 8) ومع الحرية نعرف العدالة والمساواة وسائر القيم الانسانية

mercredi 29 avril 2020

رسالة الإله بعل رسالة سلام ومحبة

رسالة سلام  ومحبة

نشيد من بين اناشيد أوغاريت 
بعنوان " رسالة من بعل " [ ابولون ] 
الى سكان الارض 
فيها يدعو البشر للابتعاد عن الحرب ، 
 لتعم الجميع قيم المحبّة والسلام .

في مقدمة الدعاء كلام موجه الى الإلهة [عناة] 
فيما صدرها مزدان بالمرجان
علامة ورع المنتصر بعل
ومودّة [فدريا] ابنة ماء السماء
وحبّ [طليا] ابنة الندى
وتقوى [أرضيا] ابنة العالم الرحب.

ببسالة الفتيان أُدخلْ
وعند قدمي [عناة] قدّم الاحترام
وانحنِ أكراما  لها
ثم انشد لـ (عديلة)  الأم
رسالة المنتصر الشجاع :

الحرب في الأرض  ليست من مشيئتي
ببذار المحبّة شق  الثرى
اسكب السلام في كبد الأرض
والعسل في جوف الحقول
الق جانبا عصاك  وسلاحك
ولتسارع قدماك  نحوي
نحوي فلتسارع خطاك
لأنّه  لك مني رسالة 
وكلمة ألقيها اليك
إنّها رسالة الشجر
ووشوشة الحجر
وهمس السموات للأرض
والمحيطات للنجوم.

لدلك ها اني  مرسل البرق والرعد
علامة في الفضاء
لكي تصل بهما رسالتي 
الى جميع سكّان الأرض !!
______________________________
ترجمة بتضرف من :
G. R. DRIVER, Canaanite Myths and Legends, Edinburgh 1956,
 
 «الميثولوجيا والأساطير الكنعانية» 1956


dimanche 8 mars 2020

Prouesse du Chevalier Toufik Khoreich - souvenir de Mr E Sakr •MOV 0285

Bonjour de Ainebel,Kifkon ya shabeeb!!








 

صورة  فوتوغرافية لعائلة عين ابلية تم التقاطها بعد  اشهر من وقوع مجزرة عين ابل بتاريخ يوم الاربعاء الواقع فيه 5ايار 1920 .

 الطفل خليل الذي يظهر بين ذراعي والده يوسف خليل اغا الشماس خريش تمت ولادته خلال الاسبوع الثالث من شهر ايار اي بعد وقوع المجزرة بايام اثناء لجوء والدته مريم مارون الخوري صادر لدى احدى العائلات الدرزية في قرية بوسنان في شمالي فلسطين تحت الحماية الانكليزية .

الصورة تم التقاطها  في مدينة عكا حيث كان يقوم بخدمة كنيستها المارونية الخوري طانيوس الخوري صادر شقيق الوالدة مريم . وكانت الوالدة مريم قد فقدت في تلك المجزرة والدها الوجيه مارون الخوري صادر وشقيقته مجيدة التي تكبره سنا وكلاهما في العقد السابع من العمر بعد ان اعطاهما المعتدون الامان مشروطا بتسليم خزنة العائلة وسلاحها. علما ان المعتدين كانوا من المعارف والاصدقاء السابقين من احدى البلدات المجاورة ....  

يظهر في الصورة من اليمين الى اليسار: ملكة ، الطفلة حنه، الوالدة مريم،وديعة، الطفل خليل، الوالد يوسف والفتى الصغير توفيق.  

االصورة هي من احدى الوثائق الفوتوغرافية النادرة في ذلك التاريخ

mercredi 4 mars 2020

من احداث 1936 - الولاء الى لبنان الكبير على الرغم من كل شيء في جبل عامل - تحت الانتداب

 من وثائق بكركي  حول احداث 1936 في جنوب لبنان  
رسالة من الخوري يوسف فرح الى البطريرك الحويك يطمئنه فيها عام 1936 عن تعلق شريحة من ابناء جنوب لبنان بدولة لبنان الكبير اكثر من تعلق ابناء عين ابل بدولتهم التي استشهد من اجل قيامها العشرات منهم , وفيها يشيد بموقف احد وجهاء بنت جبيل من ال   بزي :







Ajouter une légende




















































































dimanche 1 mars 2020

mercredi 26 février 2020

عريضة اهالي عين ابل الى البطريرك الحويك سنة ١٩٢٥

عريضة اهالي عين ابل الى البطريرك الحويك ١٩٢٥
حدود لبنان على قياس انتشار الموارنة

ان الدور الذي قام به الموارنة في تعيين الرقعة الجغرافية التي استقرت عليها دولة لبنان الكبير بحدودها المعروفة حاليا (من الناقورة جنوبا الى النهر الكبير شمالا والبقاع شرقا،) بعد دخول جيوش الحلفاء الى الشرق في نهاية الحرب العالمية عام ١٩١٩ واعلان تأسيس الدولة في ايلول ١٩٢٠ ، واقرار دستورها عام ١٩٢٦ ، انما هو حقيقة تاريخية لا يمكن لأي كان ان ينكرها.
فإذا كان قد تم تحديد رقعة لبنان على قياس الانتشار الجغرافي لأبنائه الموارنة ، فإن ذلك عائد الى عاملين اساسيين: 
- يتمثل الاول منهما برؤية البطريرك الياس الحويك الواسعة وصلابة ارادته والتأثير الروحي والوطني الذي كان يحظى به لدى المكونات اللبنانية من مختلف الطوائف والمناطق. فلأجل ذلك نال التفويض بشبه الاجماع من قبل مختلف الرموز الطائفية لكي يمثلهم في "مؤتمر السلام" الذي عقده الحلفاء المنتصرون في اعقاب الحرب العالمية الاولى في باريس ، من اجل تقرير مصير سكان تركة الدولة العثمانية .
- في هذا الاطار التاريخي تم اقتراح عدة حلول من اجل التحديد الجغرافي ل "لبنان الكبير" الذي تمت تسميته هكذا بالنسبة للبنان الصغير الذي كان يضم المتصرفيتين الشمالية بأكثريتها المسيحية والجنوبية بأكثريتها الدرزية والاسلامية. من بين تلك المقترحات كان اقتراح بإلحاق المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني إما بمنطقة فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، اي اسرائيل المستقبلية، واما بمنطقة سوريا التي كان مصيرها موضع تنازع بين مشروعين احدهما فرنسي فدرالي واخر انكليزي- اميركي برئاسة الامير فيصل . 
في هذا الاطار كان من الاسهل على البطريرك الماروني ان يكتفي ب "لبنان صغير"، منعا لتعقيدات مستقبلية محتملة مع سائر الطوائف من دون ان نستثني منها حتى الطائفة الاورثوذكسية التي كان يميل بطريركها الى قيام دولة فيدرالية تضم كلا من الاقاليم السورية واللبنانية معا . 
- عاملان اساسيان من بين عوامل اخرى حملت البطريرك الحويك الى اختيار الحل الاصعب بضم جنوبي الليطاني الى دولة لبنان: 
١- وجود مطرانين مارونيين شقيقين من جنوبي لبنان( من بلدة بكاسين) وهما شكرالله خوري مطران ابرشية صور وعبدالله ممثل البطريرك في مؤتمر السلام المنعقد يومذاك في باريس بين الحلفاء. علما ان الاسقفين هما من جمعية الاباء المرسلين اللبنانيين، الكريميين. وكان يهمهما بدرحة اولى ان يتم الحاق جنوبي الليطاني الى دولة لبنان الكبير ، على الرغم من المخاطر المستقبلية التي كان من المحتمل ان يتعرض لها .لا سيما وانه جاء من بين المفكرين اللبنانيين ومن المسؤولين الفرنسيين ( المندوب الساني دوكيه ) من ينبه البطريرك الى خطورة ضم مدينتي بيروت وطرابلس وجنوبي الليطاني الى لبنان ، خوفا من ان يصبح الموارنة مستقبلا اقلية ديموغرافية في لبنان الكبير نظرا لاكثر من اعتبار ثقافي واقتصادي بين المكونين الرئيسيين للدولة اللبنانية العتيدة . قيل لغبطته يومذاك : "اذا بتكبر لبنان بتزغر الموارنة" .
٢- العامل الثاني الذي اسهم ، بنظرنا ، في حسم اتخاذ القرار البطريركي بشأن عدم التخلي عن منطقة جنوبي الليطاني وضرورة ضمها بالتالي الى لبنان الكبير انما هو الحاجة الى مياه هذا النهر التي لا غنى لسكان المنطقة عنها، لا سيما وان جزءا كبيرا من ابناء ابرشيتي صيدا وصور هم من سكان تلك المنطقة. لذلك ليس مستغربا على ممثل البطريرك في مؤتمر السلام المنعقد في باريس المطران عبدالله خوري وشقيقه شكرالله المتواجد هو ايضا يومذاك في فرنسا لاسباب راعوية، من ان يتمسكا بهذه الخيار الحيوي والهام بالنسبة للابرشية المارونية.
٣- عامل حاسم اخر هو ورود نبأ مجزرة عين ابل الى مسامع الاسقفين الجنوبيين فيما كانا متواجدين في باريس حيث اثارا المسألة وسعيا لجمع مساعدة عينية لكنيستها من المحسنين الفرنسيين كما يشير الى ذلك المطران عبدالله في مذكراته.علما انه كان من نتائج تلك المجزرة وقوع ٩٨ شهيدا وشهيدة معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ على ايدي عصابات موالية لمشروع الامير فيصل،وذلك في الخامس من ايار ١٩٢٠، وبعد عشرة ايام من انعقاد مؤتمر طائفي موالي للمشروع الفيصلي قضى بالحاق جنوب الليطاني بسوريا لا بلبنان .مؤتمر يقول بعض المؤرخين انه انتهى باصدار قرار يعترف بحكومة الامير فيصل ، الى فتوى شرعية تجيز القضاء على حلفاء الفرنسيين المنادين بالانضمام الى لبنان الكبير، بمن فيهم النساء والاطفال .
- بعد خمس سنوات من اعلان دولة لبنان الكبير في ايلول ١٩٢٠ على يد الجنرال غورو في قصر الصنوبر في بيروت وبحضور البطريرك الحويك وجمهور لبناني ودبلوماسي واسع ظل هاجس التخلي عن مشروع لبنان الكبير او تعديله لصالح سوريا او فلسطين ماثلا امام اللبنانيين ولا سيما منهم ابناء الجنوب. 
- في هذا الاطار وبتاريخ ١٣ كانون الاول ١٩٢٠، وفيما كانت تجري ثورة درزية في منطقة الجولان المحاذية لجنوب لبنان ضد الانتداب الفرنسي شعر ابناء عين ابل مرة اخرى باستمرار الخطر المهدد لخيارهم الذي اتخذوه بشأن الحاقهم بدولة لبنان الكبير ، فوجهوا رسالة الى بطريركهم مار الياس بطرس الحويك يعربون له فيها عن قلقهم ابان الاشاعات التي ترد الى مسامعهم ب "ان قسما من لبنان الجنوبي سيلحق بفلسطين فنكون نحن اول من هدده هذا الخطر " . لذلك يستنجدون بملجأهم الابوي الوحيد لانهم " لا يطيقون الانفصال عن لبنان ( الذي) تربطهم به اوثق العلاقات" ، ولأن " الاكثرية بيننا ان لم نكن كلنا من اصل بشراني وحدثي وبتروني وكسرواني وشوفي ، وقد ذقنا من عذوبة الانضمام الى اخواننا وابناء وطننا لبنان ما يشعر به ولا يعبر عنه بالكلام ". فبعد هذه السنوات الخمس التي مضت على اعلان ولادة لبنان الكبير اصبح من الصعب على ابناء الجنوب في ابرشية صور للموارنة ان " نستعيض عن حريتنا الوطنية بالاسترقاق الاسرائيلي وعن قوميتنا اللبنانية بالاستعمار الفلسطيني وعن الام الحنون الوصية فرنسا بالخالة القاسية الغير الشفوقة انكلترا ".حسب تعبيرهم.
بهذه الكلمات المؤثرة راح ابناء عين ابل- القلقون على مصيرهم ومصير لبنان الكبير الذي كان لهم شرف تقديم اكبر قافلة من الشهداء في سبيله - يلتمسون من ابيهم البطريرك ان يصغي الى صراخهم ويعمل من اجل انقاذهم والدفاع عنهم لدى كل قوة وسلطة ، ولا سيما منها المندوب السامي الفرنسي الذي يقدمون له عريضة بهذا الخصوص، طالبين من ابيهم البطريرك ان يطلع عليها لكي تحوز منه القبول والدعم قبل ان ترسل الى الجهة المختصة .
نص الرسالة هو بخط يد احد كهنة عين ابل ومن خريحي الجامعة اليسوعية في بيروت الخوري يوسف فرح الذي كان ملاحقا من قبل السلطات العثمانية بسبب مواقفه المعارضة للسلطة ، وكان من بين الاشخاص المطلوبين للمحاكمة في محكمة عاليه الشهيرة. ولما عجزت السلطة التركية عن القبض عليه قامت بشنق شقيقه بدلا عنه في ساحة كنيسة الرعية عام ١٩١٧. 

نص الوثيقة 

من ابناء عين ابل الى البطريرك الحويك 
يستنجدونه من اجل الحاق بلدتهم بلبنان لا بفلسطين
-------،

"يا صاحب الغبطة

بعد التشرف بلثم راحاتكم و استمطار وابل بركتكم الرسولية ، نعرض ان التاريخ يحفظ ذكراً مؤبداً للعمل الخطير الذي تم على يد غبطتكم بإعطاء لبنان استقلاله و ايعاد ( اعادة ) حدوده الطبيعية اليه . فقد تقدمتم للمطالبة بحقوقه و تكبدتم مرَّ الاتعاب في هذا السبيل و كلّل المولى بالفوز مساعيكم ففقتم بهذا العمل الغزاة و الفاتحين . فأحرى بلبنان أن يدعوكم بلقب منقذه بل منشىء دولته.
و قد نال ابناؤكم مسيحيو بلاد بشارة الحظ الوافر بتوسيع لبنان بأنهم انضموا الى اخوانهم و خفق فوق رؤوسهم علم الأرزة التي تفيأ بظلها اجدادهم فهللوا طرباً و غبطوا انفسهم بهذا الإحسان و دعوا لغبطتكم بالتأييد و طول الايام. ثم عانوا صابرين ما قسم لهم من المصاب في سبيل هذه المنحة و قاسوا ما يقاسيه كل شعب تحرر من عبوديته ، فضحي منهم في حوادث سنة العشرين عدد لا يهان به في سبيل حب وطنهم و قوميتهم فاشتروا بدم زكي ثمين منحة الحاقهم بلبنان لئلا يقال انها وهبت لهم رخيصة . اشترينا بدمائنا ما تاق اليه اجدادنا و ما ننشده لسنين طويلة ، و الآن اقلقتنا اشاعات تنذرنا بفقدانه . فقد كثر القيل ان قسماً من لبنان الجنوبي سيلحق بفلسطين فنكون نحن اول من يهدده هذا الخطر . ففزعنا اليكم انتم الاب و الوصي و الملجأ المحامي . الى مقامكم نرفع شكوانا وبين ايديكم نلقي دعوانا ، فإن المسيحيين هنا لا يطيقون الانفصال عن لبنان و تربطهم به اوثق العلاقات ، فإن الاكثرية بيننا إن لم نكن كلنا من اصل بشراني و حَدَثي و بتروني و كسرواني و شوفي و قد ذقنا من عذوبة الانضمام الى اخواننا و ابناء وطننا لبنان ما يُشعَر به و لا يُعَبر عنه بالكلام ، فلا يشرفنا الآن ان نستعيض عن حريتنا الوطنية بالإسترقاق الإسرائيلي و عن قوميتنا اللبنانية بالإستعمار الفلسطيني و عن الام الحنون الوصية فرنسا بالخالة القاسية الغير الشفوقة انكلترا ، و عليه نلتمس ان تعطفوا الينا و تصغوا الى صراخنا و تدافعوا عنا لدى كل قوة و سلطة بيدها الحل و العقد في مثل هذه المسائل . افتتدونا كما تعزز بكم لبنان . و فيما اننا نكرر تقبيل راحاتكم و التماس البركة نسأله تعالى ان يطيل ايام غبطتكم اعزازاً لأبنائكم . 
نقدم طيه عريضة بهذا الخصوص لفخامة المندوب السامي و لكي تحوز القبول نلتمس ان تُقدم مصحوبة بإشارة من غبطتكم عن يد معتمديكم. و طالت ايامكم . نلتمس بركة غبطتكم 

١٣ كانون الأول ١٩٢٥