أهداف الدرس على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن: 1- يعرف ظروف وأسباب عقد مؤتمر وادي الحجير. 2- يعرف دور السيد عبد الحسين شرف الدين في مؤتمر وادي الحجير. 3- يدرك النتائج التي ترتّبت على مقرّرات مؤتمر وادي الحجير.
لماذا عُقِد مؤتمر وادي الحجير1؟ اختير وادي الحجير مكاناً لاجتماع العامليين { الشيعيين فقط } بكل شرائحهم: الزعماء والعلماء والوجهاء، نظراً لتوسّطه البلاد العاملية، ولأنّ الثوّار كانوا يسيطرون عليه، زيادة على أنّه كان صعب المنال على الجيش الفرنسي وقد تداعوا للبحث في الموقف السياسيّ من جميع جوانبه، والنظر في مصير البلاد العاملية على نحو تطمئنّ إليه الجماعة القلقة. ففي يوم السبت 24 نيسان سنة 1920م عُقد المؤتمر. وكان العلماء والزعماء والثوّار حاضرين، وقد ألقى العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين خطاب الافتتاح مذكّراً بالموقف الحرج. وكان لخطابه أثره في النفوس رفضاً وكرهاً لسياسة فرنسا المتّبعة.
التداول والمقرّرات : لقد كان كلام السيد عنيفاً ويهدف إلى تعبئة العواطف ضدّ الفرنسيين. وقد عبّر بذلك عن وجهة نظر المؤتمرين حول استقلال جبل عامل ضمن المملكة السورية التي دعوا إليها باسم الوحدة السورية. ثمّ حثّ على التضامن والاتّحاد، وبيّن عاقبة
الاختلاف والفوضى التي تفسح المجال للقول إنّنا لا نستطيع التمرّس بالحكم الذاتي، ومن هنا يأخذ المستعمر طريقه إلينا. وحثّ على المحافظة على الأمن في البلاد عامّة وتأمين المسيحيين ، ثمّ تناول مصحفاً من جيبه، وأخذ اليمين على العلماء والزعماء.
وفي نهاية المؤتمر انتخب الشيخ حسين مغنية رئيس العلماء ليرأس وفداً إلى دمشق، لمناقشة ما اتّفق عليه مع فيصل، لكنّه اعتذر لكبر سنه، فانتُدب السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد عبد الحسين نور الدين بالإضافة إلى السيد محسن الأمين الذي كان نزيل دمشق والذهاب معاً للقاء فيصل. وقد صُدِّق بالإجماع على الوثيقة المقرّرة في المؤتمر، والتي تضمّنت الموافقة على القرارات الصادرة عن المؤتمر السوري, أي استقلال سوريا الشامل بإمرة فيصل، بلا تقسيم ولا حماية فرنسية. والتحاق جبل عامل بسوريا في إطار الاستقلال الإدراي.
وقبل انطلاق الوفد إلى دمشق، طلب العلماء والزعماء من صادق حمزة ورجاله أن يعدهم للفرنسيين، فانصاع صادق لطلبهم واستثنى من كان (إلباً) للفرنسيين, أي عوناً على الوطن واستقلاله مجاهراً بذلك مع الغاصبين المحتلين، مسلماً كان أو مسيحياً, لأنّ جهاده كان حسب قوله: "سياسياً لا دينياً".
ماذا بعد المؤتمر؟ نتيجة للمبالغات التي أعقبت عقد مؤتمر وادي الحجير، وبسبب نقل وقائع المؤتمر مشوّهة أو محرّفة والتي كان من شأنها إثارة عواطف المسيحيين واستعداؤهم، وتشجيع المستغلّين لمثل هذه الأحداث، فإنّ التوتر ازداد في جبل عامل بين الشيعة والمسيحيين، وساءت الأحوال. وزاد في الأمر سوءاً، ما فعله الفرنسيون الذين ذرّوا على الجرح ملحاً فسلّحوا أهل عين إبل من جهة، وأظهروا عجزهم إزاء العصيان المدني الشامل الذي لجأ إليه العامليون، وقد سوّل المستعمر لأهل عين إبل, فاغترّوا بحصانة موقعهم وبقوّة أسلحتهم، وابتدروا من مكانتهم منصلتين بالعداوة والمجاهرة بالاعتداء، فكانت هذه
حركة استفزازية، قابلها الفتيان العامليون بالاستياء والحفيظة. إذ لا بدّ من القول إنّ القرى التي هوجمت كان يسكنها مسيحيون لم يخفوا انتصارهم لفرنسا، وكان سكّان عين إبل، أكثر القرى المصابة، قد استقبلوا الجنرال غورو بفرحةٍ عارمة، وهم يردّدون هتافات عن تعلّقهم ببلده، لذلك أوفدوا شخصاً لطلب الحماية الفرنسيّة من الضابط المقيم في صور، فاكتفى بتزويدهم بالسلاح، نظراً لعجزه عن إجابة طلبهم، كما أنّهم رفضوا طلب موفد صادق حمزة بإعطاء المتمرّدين سلاحاً ومالاً وبرفع راية فيصل. ومن البديهيّ أنّ سكّان هذه القرى كانوا بذلك يعرّضون أنفسهم لتهمة التعاون مع الفرنسيين أو العمالة لهم من قبل الشيعة. وفي الخامس من أيار سنة 1920م، هاجمت كتيبة محمود أحمد بزّي، يصاحبها وجهاء من آل بزّي، آخر قرية مسيحية في قضاء صور، وهي عين إبل القريبة من بنت جبيل. أمّا صادق حمزة فقد اتّخذ هدفه موقع صور الفرنسي. وقد تابعت كتائب انتشارها في جبل عامل، يشجّعهم في ذلك الوطنيون في دمشق، إذ أرسلوا إلى صادق حمزة رسائل التهنئة يصفونه فيها بأنّه قائد جبل عامل.
حملة نيجر التدميرية في النصف الثاني من شهر أيار انطلقت مفرزتان بأمرة العقيد نيجر من النبطية وصور، والتقتا في تبنين، ثمّ تابعتا سيرهما نحو بنت جبيل، وهما تضمّان أربعة آلاف جندي. والحقيقة أنّ المعركة كانت شرسة فصدّها صادق ورجاله عن التقدّم حتّى نفدت ذخيرتهم، ولم يموّلهم أحد بمدد فتراجعوا. وكان من شجاعة الثوّار أنّ أحدهم اقتحم برج مصفّحة فقتل سائقها، ورجع سالماً!
وفي الوقت نفسه كانت فرقة أدهم تتصدّى للحملة على طريق المصيلح. وعند قدومها آتية من الزهراني أمطرها الثوّار بكثافة، لكنّ الحملة كانت مسلّحة تسليحاً كاملاً بالدبابات والمدافع وعربات الجنود فقتل من الحملة عدد لا يستهان به، ثمّ انسحب الثوّار باتّجاه النبطية حتّى منطقة مرجعيون، وهناك التقت مجموعتا صادق
وأدهم، ثمّ انتقلتا إلى سهل الحولة، فانضمّت إليهما مجموعات الثوّار هناك، وبدؤوا بمهاجمة الفرنسيين في مرجعيون وضواحيها.
تدابير نيجر القمعية ضدّ العامليين كانت تدابير القمع بحقّ الثوّار وقُراهم قد أثّرت تأثيراً عميقاً في العامليين، ما يسمح بالقول إنّ الفلاحين أصيبوا بالرعب. وما زالت ذكرى قصف القرى الشيعية بالطائرات تُتناقل إلى اليوم في الأحاديث الشفهية. وكان الوجهاء الشيعة كلّهم في نظر الفرنسيين متورّطين فمن لم يفرّ منهم بسبب حكم عليه، وقد استدعى العقيد نيجر في 5 حزيران سنة 1920م عشرة منهم إلى مطرانية الروم الكاثوليك في صيدا. وقد وبّخهم بحضور الوجهاء السنّة والمسيحيين، ثمّ ألزم الشيعة بتوقيع شروط مفروضة عليهم، وإلّا نفاهم، ومنها أن يدفع الشيعة غرامة مالية قدرها مئة ألف ليرة ذهبية، وأن تدفع الضرائب، وأن يُسلّم المحكومون، وأن يُنشر الأمن في القرى المسيحية، وأن يُسمح لهم بالعودة إلى قراهم. لقد فهم الشيخ أحمد رضا، أنّ هذه السياسة تهدف إلى إفقار الطائفة الشيعية، وقد عانت بالفعل الكثير من الصعوبات في إنعاش اقتصادها بعد هذه الاضطرابات، كما أنّه أشار إلى أنّ شيعة جبل عامل لم ينالوا من الوطنيين أيّة مساعدة، بل كانوا موضع سخريتهم اللاذعة. ولقد كشفت القسوة في قمع العامليين من جهة، وعزلتهم من جهة أخرى "سقوط الجبل" بتعبير السيد عبد الحسين شرف الدين، أي جبل عامل، وقد اعتبر ذلك أساسياً في سقوط القضيّة السورية.
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire