كلنا للوطن .أي وطن؟

SmileyCentral.com

samedi 14 septembre 2013

عين ابل تستعيد نسخة من أثريّة قيّمة لأنّ القانون الفرنسي يمنع إعادة المسروقات بعد 70 عاما | جنوبية

http://janoubia.com/20217-تذكير بخبر سابق

عين ابل تستعيد نسخة من أثريّة قيّمة لأنّ القانون الفرنسي يمنع إعادة المسروقات بعد 70 عاما

تعمل بلدية عين ابل، في قضاء بنت جبيل، جاهدة للبحث عن المكان المناسب لاقامة مجسّم خاص داخل البلدة تعرض فيه منحوتتها الأثرية، التي استطاعت البلدية استعادتها من متحف اللوفر في باريس، بعد أن عمد المؤرّخ الفرنسي "أرنست رينان" الى انتزاعها من أحد الأماكن الأثرية في البلدة بالعام 1860، بحسب رئيس البلدية فاروق بركات دياب، أثناء قيامه بجولة الى عين ابل ذلك العام للبحث في آثارها.


ويكشف دياب أن "رينان عثر حينها على صخرة كبيرة تعود الى العصر الروماني منحوت عليها الالهين (أبوبلون) المعروف بـ(البعل) و(ديانا) أرتميست) المعروفة بـ(ديانا مع سهمين وثورين تتوسطهما شجرة نخيل) فعمد الى قصّ الصخرة المنحوتة ونقلها معه الى باريس". وأوضح دياب أن "أحد أبناء بلدة عين ابل اكتشف حقيقة فقدان الصخرة بعد أن قرأ في كتاب للمؤرخ رينان تحدث فيه عن قصة الصخرة الأثرية، عندها بدأت البلدية عملية البحث عنها بالاستعانة بأحد أبناء البلدة ويدعى يوسف خريش الذي يعمل بالمركز الكاثوليكي للاعلام، والذي استعان بدوره بابن عمه يوسف خليل خريش الموجود في فرنسا: "بعد أن تبيّن لنا وجود الصخرة في متحف اللوفر في باريس، رحنا نوثّق الأدلّة التي تثبت ملكية الصخرة لعين ابل، واستمرت المفاوضات ابتداءّ من العام 2003 مع ادارة المتحف الى أن أقرّ المعنيون هناك بمشروعية ادعاء بلدية عين ابل بملكية المنحوتة الرومانية، لكنها بينت أن القانون الفرنسي لا يسمح باسترداد أي قطعة أثرية مضى على وجودها في فرنسا أكثر من 70 عاماً، لذلك قرّرت الادارة نحت مجسّم شبيه (طبق الأصل) عن الصخرة المسروقة، وارسالها لنا".

وقد تسلّم رئيس البلدية اللوحة الصخرية عبر ماري كلودين بيطار من مؤسسة "بروموريون" في 24 – 10- 2011 أي بعد أكثر من 151 سنة من سرقة اللوحة الأصلية، وبعد نحو 9 سنوات من المفاوضات مع متحف اللوفر.

يذكر أن الصخرة المسروقة كانت في محلّة الدوير في عين ابل، وهي منطقة أثرية، منهوبة في مراحل عدة، منذ حكم الجزّار أيام العثمانيين الى الاحتلال الاسرائيلي. وقد عمدت البلدية الى ايداع اللوحة في قاعة البلدية تمهيداً لنقلها الى مكان لائق في البلدة بعد الاستعانة بمهندسين متخصصين، بحسب ذياب.

اللاّفت أن منطقة بنت جبيل غنية بالآثارت القديمة جداً، التي يعود بعضها الى أيام الكنعانيين وقد تعرّضت المنطقة أثناء الاحتلال الاسرائيلي إلى عمليات سرقة منظمة، منها من قبل العدو الاسرائيلي، وبعضها يأياد لبنانية عندما نبشت الكثير من الأماكن في قرى وبلدات متعددة وعثر أثنائها على كميات كبيرة من النووايس والتحف الأثرية، وبعضها من الذهب الخالص، بحسب العديد من أبناء المنطقة، وقد تم بيعها الى جهات مجهولة. وقد عبّر ابناء عين ابل عن سعادتهم بانجاز البلدية هذا "الذي يعتبر انجازاً تاريخياً يحتذى به من قبل جميع البلديات لاستعادة آثارها المسروقة".  

مقالات ذات صلة >>



Envoyé de mon iPad jtk

samedi 6 juillet 2013

وثيقة الخوري يوسف فرح عن مجزرة عين ابل ١٩٢٠

وثيقة الخوري يوسف فرح  حول مجزرة عين ابل ١٩٢٠  

-  نقلا عن انطوان حنا فرح حفيد ابن شقيق الخوري يوسف فرح
اثبتناها هنا بعد تحويلها من صورة الى نص مقروء 

علما ان النص المخطوط سقطت منه الصفحة 7 

وهو لا يخلو من بعض الاخطاء الاملائية واللغوية

تحقيق ج ت خريش

وثيقة الخوري يوسف فرح حول مجزرة عين ابل 1920


صفحة ١ - في الأشهر الاخيرة من 1919 أخذت العصابات تعيث فسادا في جبل عامل فكانت تهاجم قرى المسيحيين وتسلب وتنهب غير هيابة و لا وجلة كأن ليس ثمة سلطة حاكمة يخشى الأشقياء صولتها. وكان في بعض فترات يحصل إعتداءات على أفراد من أبناء الشيعة ممن كانوا يتهمون بالولاء للحكومة الفرنسية. وبلغت وقاحة وجرأة الأشقياء أن هاجموا قاعدة القضاء صور ودب الذعر في قلوب اهليها والتجأوا الى المراكب الشراعية الراسية في البحر .
وكان أول من اشتهر أمره بقيادة العصابات المدعو صادق حمزة من قرية دبعال. وكان يتبعه القليل من الشبان. وكأن تغاضي الحكومة عن تعقب الأشقياء ومعاقبتهم أغرى غيرهم على أمتهان السلب لما فيه من كسب الغنائم ، وربما كان في الامر يد للسياسية لأن الأكثرية الساحقة من سكان جبل عامل يدينون بالإسلام من مذهب الشيعة وكان أمير مسلم وقتئذ يحكم في الشام على سورية فظن القوم أن خير وسيلة تضمهم لحكم الشريف فيصل أن يثيروا القلاقل ويكثروا المشاغب معلنين بذلك منهم استياءهم من الحكم الافرنسي ورغبتهم في الإنضمام إلى الحكومة العربية الشامية فيتم لهم ما يرغبون .
بدأت العصابات بمهاجمة صغرى القرى المسيحية فنهبت دردغيا والنفاخية وتبنين وبرعشيت ويارون .ولم يجسر الأشقياء على مهاجمة عين أبل لما بلغهم من تسلح أهلها واستعدادهم على المقاومة....( سطر غير واضح ) واخر اعمالهم القبيحة كان ...فشل صادق حمزة ( عندما) بعث يوما يطلب ماية ليرة عثمانية من عين ابل .
فعين إبل هي كبرى القرى المسيحية في جبل عامل ، قائمة على سفح أكمة تعلو نحو تسعماية متر عن مستوى البحر قريبة من الحدود الفلسطينية يكتنفها أكمات وأودية. تبعد عن مركز القضاء صور نحو ثلاثين كيلو مترا ً. يشتغل أهلها بحرث حقولهم ويعنون بغرس الزيتون والتين وغيرها من الأشجار المثمرة ويقتنون كغيرهم من القرويين الأبقار لحراثة حقولهم والجمال لنقل غلاتهم .وهذا الصنف من الحيوان أخذ بالتناقص بعد أن

يتبع ص ٢

صفحة ٢ - فتحت طرقات السيارات. وبعضهم يعتاشون من تربية الماعز والأغنام. خاف أهل عين أبل شر المصير حالما قويت شوكة العصابات وأهملت الحكومة أمر الأشقياء وتغاضت عن ملاحقتهم ولاسيما قد عظم في قرى الشيعة شأن الثائرين وأخذ القوم يتفاخرون بأعمالهم ويشيدون بإسمهم في اغانيهم وأهازيجهم الشعبية وأصبح ذكرهم لدى الجميع موضوع إجلال وإكرام ولاحظنا أن شعور الجميع يحبذ أعمالهم ويتمنى لهم التأييد والفنا إستعدادا لمعاضدتهم. فشكونا الأمر لحاكم القضاء وقتئذ الكابيتان ديلابا سيتيار وابدينا له مخاوفنا فكان جوابه لأبناء عين أبل أن نشطهم للدفاع عن حوزتهم ورد غارة من يهاجمهم وأن ليس لديه قوة عسكرية ليوزعها في الجبل وانه يعتمد على بسالتهم وسلمهم بعض الأسلحة.

رأى أبناء عين أبل أن لا سبيل إلى المساعدة من الحكومة وأن عليهم أن لا يتكلوا إلا على أنفسهم برد هجمات من حدثته نفسه بالإعتداء عليهم .فإتخذو ما أمكن من الحيطة حتى لا يؤخذوا على حين غرة ، فأنشأو نقاطا مختلفة في جهات القرية الاربع تقوم بالمراقبة حتى إذا أقبل عدو من أحدى الجهات تنذر القوم بالخطر. وقد أبت عليهم أنفتهم وحرصهم على صون كرامة الدولة المحتلة أن يلجأوا إلى زعماء البلاد يلتمسون حمايتهم .انما لم يكن يخطر لهم في بال أن يباغتوا بهجوم عمومي عليهم يشترك فيه عرب البدو وأكثر قرى الشيعة من جبل عامل من أقصاه إلى أدناه .كانوا يظنون ( انه) اذا صار إعتداء عليهم لا يقوم به سوى بعض عشرات أو مئات الأشقياء الذين التحقوا بالعصابات.

تلك كانت حال العصابات وشأنها في جهاتنا في اواخر نيسان 1920. وما كادت ترتفع الشمس في الفلك في الخامس من شهر ايار من تلك ألسنة حتى شاهد أهل عين ابل
يتبع ص ٣
---------

صفحة ٣ - جماهير أطلت على قريتهم من الجهة الغربية على مسافة أكتر من كيلومترين واحتشدت هنالك في ظل الأشجار فرابهم أمر تلك الجموع واخذوا يتساءلون في شأنهم واية ريبة لا تحدث عن تجمهر أقوام مسلحين في تلك الأيام تجاه قرية عرفها الجميع بشديد ولائها للافرنسيين بعد أن كان أكثر القرى المسيحية نهبت وتشتت أهلوها ، فقرّ رأي أوجه القرية أن يذهب بعضهم إلى بنت جبيل مرجع قرى الشيعة في جهاتنا وعميدتها ليستطلعوا منها أمر هذه الوفود وغايتها . فكان الجواب أن ليس هؤلاء إلا زائرين من جهات الشِعَب قاصدين مقام النبي يوشع القريب قدس على مسافة نحو ثلاث ساعات شرقي عين ابل لوفاء نذر عليهم وإلتماس شفاعة ذلك الولي. فعاد الرسل مطمئنين ،ثم تبعهم كتاب من أحد ألذوات في بنت جبيل يزيد القوم سكينة وإطمئنانا معلنا ً فيه أن عطوفة عميد البلاد المطاع الكلمة كامل بك الأسعد ساهر بعين يقظة على استباب الأمن يهمه راحة أبناء جبل عامل على إختلاف مذاهبهم ونزعتهم فلا يخشى أحد سؤا .والكتاب هذا كان يحمله أحد ضحايا الحادثة التي نأتي على ذكرها فاسفنا لضياعه. فهدأ انذاك روع القوم وإنصرف كل إلى عمله.

وما هي ساعة من الوقت أي عند ظهر النهار ألا وسمع دوي إطلاق بنادق لجهة القرية الشمالية فظن الأهالي أن الخفراء القائمين في تلك الجهة يتلاهون ويلعبون . وما عتم أن تكاثرت الطلقات وأخذت الجموع الكامنة منذ الصباح في الجهة الغربية تزحف نحو عين أبل وكان كما تقدم أكثر الأهالي في حقولهم يشتغلون فهب من كان في القرية إلى اسلحتهم وبادروا إلى خارج القرية فإذا عصابة كانت هاجمت رعاة غنم فتبعوها واسترجعوا الغنم لكن تلك العصابة لم تكن سوى طليعة لجماهير كانت محتشدة على بركة كونين . فما لبث أبناء عين أبل إلا ورأوا أقواما ً تزحف
بتبع ص ٤
-------

صفحة ٤ - من جهة الشمال وغيرهم من الشرق . وقد تقدم الاتين من الشمال بعضهم يحملون شارات السلم وفيهم السيد على جعفر من يارون ً الملقب بأبي جواريش واخذوا يصرخون في شبابنا أن احجبوا ولا تجعلوا سببا للعداء فقد أقنع الأعيان القوم أن يعودوا من حيث أتوا وما نحن إلا رسل سلام. فإنخدع ذوونا بكلامهم وأمسكوا عن أطلاق رصاصهم وعادوا إلى الوراء وما كان ذلك إلا خدعة . فما كاد شبابنا يرجعون حتى تقدم المهاجمون وأصلوا نقاط الخفراء نارا حامية وقتلوا بعضهم وكان أحد زعماء هذه الثورة أحمد محمود بزي من أوجه ألقوم في قرية بنت جبيل وهو أبن أخ الحاج محمد سعيد بزي الزعيم المعروف في جبل عامل . وتقدم المهاجمون نحو القرية وحاصروا الآهلين فيها وليس موقع قريتنا من المواقع الموافقة لقيام الحصار فيها وصد ألغارات عنها . فإن الحيطان المقامة أسوارا للحقول والصخور والمرتفعات والمنخفضات التي تكتنف القرية تحول بين المحاصر والمهاجم فلا يشاهد القادم إلى القرية من جهاتها الثلاث الشمالية والشرقية والجنوبية ألا حال وصوله القرية.

بدأت المعركة وأخذت الاهالي تقاوم بحماس وشجاعة. وكانت قواهم متفرقة في جهات القرية الاربع . وكان البعض منهم خارج القرية لأن الأعداء وعددهم لايقل عن الستة ألاف أحاط بالقرية من جميع جهاتها .وكانت النساء تتبعن المهاجمين وتنشدن وتزرغدن وتحملن الرصاص، ولم نكن من قبل نحسب حساباً لمثل هذا القيام العمومي على بلدة لم يسبق منها سيئات ضد جيرانها ولم يكن لها ذنب تلام عليه سوى ولاءها لفرنسا محامية المسيحيين منذ القدم. يقال ان الرسول أوصى بالجار خيرا ً وقد رأينا القوم لا يراعون ذمة الجوار.

---يتبع ص ٥

الصفحة ٥- ولا يبالون لوصية نبيهم فقد أتونا ونار البغضاء تتأجج في صدورهم والجشع في سفك دماء الجيران وإباحة أموالهم بملء فؤادهم.
ثبت كل من شبابنا في مراكزهم يدافعون مدافعة الأبطال ويبادلون المهاجم إطلاق الرصاص واوقفوا المهاجمين عن دخول القرية . غير أن عدد هؤلاء كان يتكاثر . وكانوا يتقدمون محجوبين عن الأنظار وراء الحيطان والمرتفعات .ولما قلّ ما بين يدي شباننا من الذخيرة واحاطهم القوم المهاجم من كل ناحية اخذوا يتراجعون. وما أحسوا عند الساعة الرابعة بعد الظهر الا ودخل بعض الأعداء القرية من جهتها الشمالية. وأول بيت دخلوه اضرموا النار فيه فتصاعد الدخان الكثيف في الفضاء وهلع سكان عين أبل حالما ايقنوا أن العدو استولى على قسم من بلدتهم ورأو أنه أمام تلك الجماهير العديدة لا وسيلة تنقذ من ... المداومة على مقاومة تلك الجماهير العديدة ولا وسيلة تنقذهم من المذبحة سوى الفرار.
وفكروا في باب النجاة وقد طوقهم القوم من كل صوب فرأوا أن خير وسيلة ( هي ) الإلتجاء إلى فلسطين و( هي) لا تبعد عنهم إلا بضع كيلومترات. فحولوا قوتهم إلى الجهة الجنوبية ليفتحوا أمامهم منفذاً للهرب وكانت الشمس قاربت الغروب .فأصلى الشبان القوم المهاجم من جهة الجنوب نارا ً حامية بما بقي معهم من خرطوش، فتبدد هؤلاء واخرج العينبليون تحميهم نيران شبانهم قاصدين فلسطين . لكنها كانت حال يفتت لها الكبد . كان رصاص الأعداء يصب عليهم وكل يفكر بنجاة نفسه فلم تع الأم على اولادها ولا الولد على أبيه الشيخ العاجز . فغادر الأكثرون القرية وبقي البعض من نساء وأطفال وشيوخ مختبئين في البلدة وتوجه
يتبع صفحة ٦
------

الصفحة ٦- الهاربون تحت الظلام إلى القرى الفلسطينية كل يقصد حيث له صديق أو نسيب . وأما الذين أقاموا في القرية مختبئين فقد هلك أكثرهم . فكأن جيراننا الشيعيين كانوا متعطشين لسفك الدماء فكان كلما دخل احدهم بيتا ًووجدفيه نسا ًء أوشيوخا ًأو أطفالا ً كان يمزقهم برصاص بندقيته . ولم يراعوا حرمة الصداقة  القديمة وعهود الإخاء . فمارون الخوري من اوجه بيت في عين أبل كان شيخا يناهز الخامسة والستين من العمر لم يغادر بيته ظنا ً منه أن ما بينه وبين آل بزي في بنت جبيل من علاقات المودة يقيه كل غائلة . لأن بيت الخوري مرتبطون بعهود اخاء مع البعض من آل بزي منذ أكثر من ستين سنة، وكان الكبار منهم يدعون بعضهم أخوة والشبان أولاد أعمام . فأتاه من كان لا يدعوه إلا أخاه محمود جابر فتلطفه وتودد إليه حتى إستلم ما كان يخبئه مارون من الدراهم . وبعد أن إستلم المال منه التفت إلى ابنه عقيل قائلا: "يا ابني أسرع واذبح عمك وعمتك" .وهذه أخت مارون الخوري وأكبر منه . وما أن سمع عقيل قول والده حتى خرق رصاص بندقيته صدر مارون ثم صدر مجيدة أخته. ويعقوب صادر كان من أعز أصدقاء أحمد محمود بزي وكان هذا يقيم في ضيافة يعقوب الأسبوع والاسبوعين والشهر حالما كان يقع خلاف بينه وبين ذويه في بنت جبيل. فصادف أن أحمد و هو كان من زعماء المهاجمين وجد يعقوب محاصرا ً في أحد بيوت عين أبل ولا يجرأ أحد أن يقرب من كمينه. وحالما عرفه صرخ عليه: يا أخي يعقوب لا تخف شرا أنا أخوك أحمد فعليك الأمان وأخذ يغلظ له الإيمان أن لا يمسه
يتبع صفحة ٧
-----


الصفحة السابعة مفقودة

-----


الصفحة ٨- لم يكن في أيدينا شيء من المال حالما غادرنا بلدتنا و لم نتمكن من أن نصحب شيئا معنا من المتاع وكنا بحاجة لكل شئ وما أفجعها من حالة اصبحنا عالة على المحسنين . ونحن في صفد جمهور كبير . فرق القوم هنالك لحالنا وأحسن إلينا المسيحيون والجمعيات الإسرائيلية واخذوا يوزعون علينا الطعام كل يوم ونحن لا نجرأ على الرجوع إلى وطننا . فقصدنا حيفا وكان هاجر إليها الكثيرون ممن تفرقوا في شتى الضيع الفلسطينية . وفي حيفا احتضننا كالأب الحنون سيادة صاحب المبرات العديدة والمآتي السامية المطران غريغوريوس حجار فمدنا ببعض المال لنبتاع كسوة للمحتاجين ووزع الدقيق على العيلات وأخذ البعض يرتزق بالعمل . وكان أرسل إلينا إلى حيفا حضرة المنسينيور فرنسيس الخوري النائب الأسقفي في صور شيئا ً من المال . ثم بعث حاكم صور مراكب شراعية لعودتنا إلى لبنان مع كتابة لحاكم حيفا لكي يسهل لنا أمر سفرنا فقابلنا الحاكم في حيفا وسلمناه كتاب حاكم صور، فسألنا اذا كان بودنا الرجوع إلى وطننا فأجبنا أن الشبان يعودون ويبقى في حيفا باقي الاهالي لان الأمن لم يستتب بعد عندنا، فطلب إلينا أن نكتب تقريرا ً فيه نفيد عن الحال ونبين ً أننا نخشى الرجوع إلى وطننا لعدم استقرار الأمن فرأينا في ألامر مساسا بالحكومة الإفرنسية فأبينا فلم يرق رفضنا هذا في عين الحاكم الإنكليزي وصرح لنا أنه لابد أن يضم قسم من لبنان الجنوبي إلى فلسطين وإن نهر القاسمية الليطاني سيكون حدود البلدين. عاد البعض إلى صور ثم من بعدها بمدة عاد باقي المهاجرين وكان أوفد حاكم صور (المراكب) السفائن ثانية.

-يتبع صفحة٩

الصفحة ٩ - في أثناء تلك المدة بعد حادث عين أبل بنحو اسبوعين حملت قوة من الجنود الافرنسية بقيادة الكولونيل نيجر على جبل عامل لتقتص من الثائرين . ولم يكن وقتئذ طرقات للسيارات فأتى العسكر من صور مئة بياده مشاة ومنه سواري على الخيل ووجهتهم بلدة تبنين حيث قلعة الصليبيين القديمة .وما أن علم الشيعيون بالامر حتى دب الحماس في قلوب بعضهم وهبوا لمقاومة الجنود الزاحفة. فاجتمع بعض مئات بقيادة زعماء المنطقة وعلى رأسهم الحاج محمد سعيد بزي من بنت جبيل . واختاروا قلعة تبنين المذكورة حصن يحاصرون فيه . وخطب الزعماء ينشطون رجالهم . لكن ما ( أن ) كادت جنود الحملة تقترب ويرى المحاصرون ما هنالك من القوة حتى ادركوا ضعفهم وايقنوا الهلاك أن هم قاوموا . وفروا هاربين من مكمنهم .فقصدت بعد ذلك الحملة بنت جبيل وتوغلت في داخلية البلاد لكن السكان كان الخوف قد استولى عليهم وهاجروا قراهم قاصدين فلسطين ولم تصادف الحملة مقاومة. ويا للعجب من هربهم فإنهم كانوا يدعون أنهم ثاروا ونهضوا في سبيل ضم جبل عامل الى الحكومة السورية، فهل يدركون بغيتهم وينالون أربهم دون أن يضحوا بنقطة دم من دمائهم فيفرون من وجه القوة حال ظهورها. الا يعلمون أن الشرف لا يسلم من الأذى ما لم تراق الدماء على جوانبه.

طافت الجنود في طول البلاد وعرضها بعد أن أرسل قائدها من تفقد حال عين أبل وشهد خرائبها وقدم له تقريرا ً بما رأى . وكان أصدر أمرهم بإطلاق المدافع على بيت محمود الأحمد في بنت جبيل وهو كما تقدم كان من زعماء الثائرين وتوجهت

---يتبع ص ١٠


الصفحة ١٠- إلى جهة الطيبة وقبل أن يبلغوها أرسل الكولونيل نيجر يستدعي اليه كامل بك الأسعد فأتى وتقابلا و ابدى له الكولونيل رغبته في زيارته فترحب به لكن أحد زعماء الشيعيين الذي كان يرافق الحملة أوعز الى البيك أن يغادر لبنان بحجة أن القائد يضمر له الشر, فعمل بنصيحة الزعيم الشيعي وترك داره ليلاً ولجاء إلى فلسطين وحالما حضر الكولونيل نيجر في الغد إلى الطيبة وجد دار الكامل خالية من السكان وكان رافق الحملة بعض شبابنا من العينبليين من حين خروجها من صور وحال مرورهم في بنت جبيل حرقوا بعض بيوتها ساعدهم في ذلك سكان القرى اﻟﻤﺠاورة الذين كانوا اتوها بقصد سلب ما تركه أهلها فيها بعد مهاجرتهم .
وبعد ذلك بمدة دعي أوجه البلاد إلى اجتماع في صيدا خطب فيه الكولونيل نيجر وأعلن فرض غرامة على الشيعيين في جبل عامل قدرها مائة ألف ليرة عثمانية ذهبا ً وحكم بالإعدام على نحو أربعين من زعماء الشيعة منهم كامل البك الأسعد وكل المحكومين كانوا مهاجرين الى فلسطين وأخذت الحكومة تجمع الغرامة بإستدعاء الرؤساء اليها ووضع المسؤولية على كل منهم بجمع المال من أهل قريته و ما مرت بضعة اسابيع حتى دفعت القيمة كاملة. أما المحكومون اعداما فقد صدر عنهم عفو بعد أشهر وعادوا إلى بيوتهم امنين .
لم يكن رجوع مهاجري عين أبل إلى بلدتهم في آن واحد فكما تقدم كان تشتت أهالي عين أبل في أماكن مختلفة من فلسطين وأكثرهم ذهب إلى حيفا ومن كان منهم قريبا من الحدود كان يتفقد البلدة خلسة في الليل ويدفنون ما يعثرون عليه من جثث قتلى الحادثة. وفي أوائل شهر حزيران

يتبع صفحة ١١

--الصفحة ١١-
بدأوا يعودون أفواجا ً وكانت البلدة بهيئة كئيبة ينفطر لها الفؤاد وتفتت الكبد. فكان الداخل إليها يشعر كأنه بين أنقاض خرائب قديمة .كانت النار التهمت أكثر البيوت والتي لم تحرقها النار كانت دمرت سقوفها ونهبت اخشابها وابوابها . فقد علم القارئ أننا أخذنا على حين غرة ولم نتمكن أن ننقذ شيء من مقتنياتنا حال هربنا وأن الثوار اعملوا النار في القرية حين استيلائهم عليها . فرأينا حين رجوعنا المساكن خربة وكل مقتنياتنا من مواشي وأثاث إلى غير ذلك مما ورثناه عن ابائنا وإقتنيناه لانفسنا كل ما نملك كان نهب وأكلته النيران، ووجدنا في الشوارع بعض عظام من بقايا قتلانا الذين لم يتوفق دفنهم قبلا فجمعناها بإكرام وواريناها التراب. وكان عدد الضحايا منا إثنين وأربعين قتيلا  ً أكثرهم من النساء والشيوخ الذين لم يستطيعوا إلى الهرب سبيلا ً وقضى عليهم جيراننا الشيعيون ولم ً تتحرك في قلبهم عاطفة الانسان على ضعفاء عاجزين لم يحملوا سلاحا و لا يستطيعون مقاومة.

ان القتلى من المهاجمين لم نعلم عددهم لأننا غادرنا محل الموقعة هاربين وكان الثائرون بعد ذلك يتكتمون في الأمر لكي لا تلصق في قراهم تهمة الهجوم على عين أبل ويضطرون لتحمل دفع قيمة كبيرة من الغرامة وعلمنا بعد حين أن القتلى منهم لم يكونوا أقل عددا ً من قتلانا. أن عين أبل لم تنل نصيبا ً وفيا ً من التعويض عما اصابها من الخسائر في تلك النكبة فالحكومة لم تصلح شيئا ً مما  ًكان حرق وهدم من المساكن كما فعلت في حاصبيا واكتفت أن تدفع مبلغا من المال لكل من الأهلين لا توازي قيمة عشر ما فقد

---يتبع ص ١٢


الصفحة ١٢- فمجموع ما دفع من المال لاهالي عين أبل لا توازي قيمته ثمن ما سلب منها من المواشي من ابقار وخيل وماعز وغيره، وكل يعلم ما كانت عليه الحاجيات والمواشي من ألاثمان في تلك السنين، فإن أحدنا مختار القرية أسعده الحظ بإنقاذ فرس من النهب وحال وصوله  ً إلى صفد باع نصوتها(؟) بمائة وخمسين ليرة مصرية وبعضهم أنقذ قطيعا من الماعز كان يبيع الواحدة منه من الثلاث ليرات مصرية إلى الخمس ليرات. وحالما أخذنا بابتياع بعض المواشي نستعين بها على العمل كنا نشتري رأس البقر من الخمس عشرة ليرة مصرية إلى الخمسين ليرة.
ولما باشرنا ترميم مساكنا كنا ندفع للمعلم العمار أو النجار من الثمانين قرش مصرية إلى المئة ونقدم له ألمؤونة.
إن نكبة سنة العشرين كانت وطأتها علينا مع حفظ المناسبة مثل وطأة الحرب الكبرى على المدن والقرى التي دمرتها مدافع الأعداء بل أشد لان بلدتنا خربت كل بيوتها وسلبت كل موجوداتها ولذلك اضطر الكثيرون منا على المهاجرة إلى فلسطين لعدم استطاعتهم ترميم بيوتهم ليسكنوها .ولم يعودوا إلى ألان ولم تزل بيوتهم خربة ولكن مهاجرتهم كانت خيرا لهم لأنهم ألان في حيفا برخاء ورغد فبنوا بيوتا فيها، ومنهم اصبحوا من المثريين عندهم دخل شهري من اجارات مساكن ثلاثون وأربعون ليرة فلسطينية
فكم من نقمة تعود على ضحيتها خيرا . ولاعجب فإن فلسطين الان عموما برخاء واسعة عيش يحسدها عليهما جيرانها من اللبنانين .وكم من لبناني يتمنى أن يتيسر له المهاجرة إلى فلسطين.

-------
 jtk

lundi 20 mai 2013

تلة الدوير - عين ابل من شمس أبولون الى شمس المسيح




تلة  الدوير وخربة شلعبون في كتاب " بعثة فينيقيا " - عين ابل  من شمس أبولون الى شمس المسيح ،
تحفة التراث العين ابلي القديم ; ج- ت- خريش ،

·                     مقدمة: التراث واهميته في حياة الامم والجماعات
·                     1-"بلاطة تلة الدوير" من متحف اللوفر - فرنسا الى مسقط رأسها - عين ابل .
·                     2"بعثة فينيقيا" ، "Mission de Phenicie
·                     3 - الدوير وشلعبون في كتاب " بعثة فينيقيا ":
·                              4- العثور على تحفة الدوير في متحف اللوفر ، محتواها وعناصرها الفنية والثقافية : الرسم والكتابة
·                              5- هيكل الدوير  في اي اطار تاريخي  وما هي علاقته  بالمسيحية ؟
·                      


مقدمة :  تفتخر الامم والشعوب بما لدى كل منها  من تراث ،  لانه عنوان هويتها ، وركيزة من ركائز نموها وازدهارها. .
بالتراث  وهو جزء من الثقافة تتواصل الجماعات وتستمر، وفي سبيلها ايضا  تعمل  وتعيش.التراث تحديدا هو مجموع الاشياء المادية المتوارثة وغير المادية ، الارض بما تنبت وما تحتضن . وهي أيضا القيم والافكار والفنون بما فيها خصوصا من معالم الابداع، وهي التقاليد والعادات  الاصيلة التي لا تستسلم للجمود او الاستنقاع .
لبنان بثقافته وتراثه  يعتبره العالم نموذجا  ، برغم اوهانه العديدة. بهما استدام  صورة جميلة على الرغم مما يعتريه  من بشاعات مؤقتة تزول –إن شا الله -  مع زوال اسبابها الخارجية  والداخلية. 
 وما يقال عن الوطن يقال أيضا عن المدينة والقرية.
وقد شاء الله والتاريخ أن تقع بلدتنا عين ابل  في  مكان عزيز  ومقدس  من لبنان ، كان له في الماضي  البعيد والقريب  دور  ليس بالهامشي البتة في ترسيخ القيم  التي جعلت منه نموذجا ورسالة تحتذى بين الاوطان والدول .

تراث عين ابل  وثروتها: الارض ، البيئة ، الاثار ، طرق العيش والسكن ، تناقل المعرفة والخبرة ، التاريخ، الوجوه  ، العادات الجميلة، حب الحياة، الضيافة، حب المعرفة، والعيش بسلام وحرية.
من هذا المنطلق كان لا بد من تفكير  حول هذا التراث الجامع والموحد ، في زمن  ينتابه – كما ينتاب الوطن كله - العديد من الاضطرابات . تفكير ينفتح على مشاريع  ملموسة وذات تأثير منتج  في النفوس والواقع البيئي البشري والجغرافي معا.
كيف نحافظ على هذا التراث  ونعمل على  تفعيله ونقله الى الاجيال لكي يظل حيا ومؤثرا 

١ - "بلاطة تلة الدوير" من متحف اللوفر - فرنسا الى مسقط رأسها - عين ابل .

تعلمون ان دار بلدية عين ابل في ٢٢ تشرين الاول  ٢٠١١ ، استقبلت تحفة اثرية نادرة،  نقلت اليها مباشرة من متحف اللوفر- باريس .
واودعت مؤقتا في احدى غرفها بانتظار ان تعرض بصورة اكثر علنية في احد مواقع البلدة لتكون امام انظار الجميع شاهدا بارزا على تراث عريق يعود في اجلى واجمل صوره الى حوالي١٨٠٠ سنة .
ماذا تحمل " بلاطة تلة الدوير"  من رسوم منحوتة في الصخر ومن كتابة ، الى اي زمن تعود بنا وما هي الظروف التاريخية السياسية والاجتماعية  التي أنشئت في اطارها ، اي معان ودلالات ثقافية تنطوي عليها؟ 
في اي ظروف ، كيف ولماذ تم نقلها الى فرنسا ، وكيف تم الحصول على نسخة طبق الاصل عن القطعة الام ؟ 
اسئلة نحاول الاجابة عنها بايجاز في هذه الورقة .

٢- "بعثة فينيقيا" ، Mission هو عنوان مشروع ثقافي فرنسي على غرار مشروع نابوليون للتنقيب  عن الاثار المصرية  بعد الثورة الفرنسية في مطلع القرن التاسع عشر.
 وان تكن فكرة مشروع التنقيب  عن الاثار الفينيقية في لبنان والمناطق المجاورة له قد نشأت في الاوساط السياسية  والاكاديمية الفرنسية  قبل تاريخ نشوب الاضطرابات الاجتماعية والامنية في لبنان عام ١٨٦٠، الا انها تزامنت معها ، وتحققت في اطار الحملة التي نظمتها فرنسا من اجل وقف نزيف الدماء في لبنان وسوريا والتي راح ضحيتها حوالى ١٧٠٠٠ نسمة معظمها من ابناء الطوائف المسيحية.
مثلما تم تعيين الجنرال بوفور على رأس الفريق العسكري في تلك الحملة تم كذلك تعيين العالم والفيلسوف جوزف ارنست  رينان على رأس فريق علمي اركيولوحي. انطلقت البعثتان وانتهتا متزامنتين  بين خريف ١٨٦٠ و١٨٦١. خلاصة تلك البعثة العلمية جُمعت في مجلدين ضخمين صدرت الاجزاء  الاولى منهما ابتداء من ١٨٦٤. 
- ما يهمنا في هذا الاثر الجامع لأبرز الاثار الفينيقية التي اكتشفها او القى الضوء عليها العالم رينان هو ما يتعلق بما تركه لنا من مشاهدة ووصف  للمعالم الاثرية التي عثر عليها في ارض عين ابل، وتحديدا في موقعين اثريين بارزين هما : "تلة الدوير" الواقعة شمال غرب خراج البلدة وعلى مسافة كيلو متر من مركزها، و"تلة شلعبون" الواقعة على يمين  مدخل عين ابل من جهة  بنت جبيل فوق البركة الزراعية المعروفة  بهذا الاسم من جهة اخرى  .
- زيارة رينان الى عين ابل  جرت في ربيع ١٨٦١، حيث كان يرافقه عدد من المنقبين والرسامين . ويبدو صريحا انه التقى بعض ابناء البلدة ولا سيما كهنتها الذين لفتوا انتباهه الى اسم " شلعبون " الوارد في الفصل التاسع عشر من سفر يشوع بن نون من الكتاب المقدس . الجدير ذكره ان تاريخ يشوع بن نون يعود الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. يحدد رينان  موقع عين ابل في المنطقة التي  يسميها  " اطراف فينيقيا " ،  "بلاد بشارة "، او " ريف صور "،  متوقفا في مقدمته وفي متن كتابه على وصف حسن العلاقات بينه وبينه الأهالي، وعلى نيله موافقة السلطة العثمانية ورضى رؤساء الطوائف والاهالي  دون استثناء في ما يتعلق بإجراء بعثته، حتى يزيل عنه كل تهمة بسرقة الاثار ونهبها ، كما قيل عن البعثة التي نظمها نابوبليون في مصر .
يمكن القول ان خسارة  البلدان الشرقية لمعظم تراثها  وتشتته  تعود بالدرجة الأولى  الى ظروف الاحتلال والاستعمار ، ولكن ايضا الى اهمال التراث وانقطاع التفاعل الحي معه من قبل اهله،  السلطا ت الحاكمة  والمؤسسات الثقافية  و السكان المقيمين  .

 .٣ - الدوير وشلعبون في كتاب " بعثة فينيقيا ":
في متن كتابه الضخم  وألواح الرسوم  ( planches ) المرفقة به خصص العالم رينان ٤ صفحات لوصف ما عاينه في كل من الدوير وشلعبون. ومن أهمه :
- في الدوير : - بقايا معبد وثني ولوحة منحوتة في الصخر الكلسي الابيض كانت  تشكل جزءا من نصب تذكاري تعود لشخصيتين من وجهاء المنطقة بين اواخر القرنين الثاني او  الثالث الميلاديين.
كما شاهد بركة وعددا من الابار المنقورة في الصخر كانت تستعمل لتخزين المياه وحبوب المؤونة.
- في شلعبون :  اقبية وبناء مربع وابار مشابهة لتلك التي شوهدت  في الدوير ، ومدافن او نواويس تعود الى امراء من السلالات العربية الرومانية،  ولا سيما الغساسنة ، وكانوا على المذهب المونوفيزي، حلفاء روما وبيزنطية احيانا وخصومهما احيانا اخرى. الى جانب هذه النواويس لا بد ان عاين  رينان رموزا منحوتة في الصخر شبيهة بشعار الامبراطور قسطنطين الكبير ، مطلق الحريات الدينية عام ٣١٣ واول امبراطور روماني ايد علنا الديانة المسيحية ، اذا استثنينا سنوات قليلة من حكم الامبراطورين الاب والابن فيليبوس العربي في اواسط القرن الثالث ( ٢٥٠-٢٥٤) .
 ومن جميل الصدف التاريخية ان اجدادنا العين ابليين ادرجوا احد تلك المعالم  الأثرية  في أعلى جدار "كنيسة السيدة"  عندما شرعوا في بنائها عام ١٨٦٦ واكملوها عام ١٩٠٧. وتلك الشارة التاريخية  تظهر للعيان فوق الباب الغربي للكنيسة  على شكل  بلاطة مستطيلة ملساء لا يزيد طولها عن المتر . نُقش فيها  رسم ثلاثة رماح متصالبة قد تمثل مختصرا بالمقارنة مع رسوم ونقوش من العهد القسطنطيني ، للفظتين  باللغة اللاتينية او الرومانية :   Pax Christi ، اي سلام المسيح ، كما تمثل الحرفين الأولين باليونانية من اسم السيد المسيح .X.P.  
- كان قسطنطين الكبير قد اعلن قبل استلامه السلطة ، اتخاذه من هذه العلامة شعارا عندما راها في حلم ، وسمع صوتا،  قبيل معركة حاسمة كان عليه ان يواجه فيها خصومه،  يقول له : "بهذه العلامة تنتصر". ومنذ ذلك التاريخ اي ٣١٣ ميلادية بدأ الاعتراف  بحرية المعتقد والدين في الدولة الرومانية ، كما  راحت الدولة المسيحية  تشق طريقها الى الوجود .  
-  لعل اهم ما عاينه الباحث رينان  في شلعبون هو " قبو" يشبه الى حد كبير المدفن الذي نقرأ عن بعض خصائصه الهندسية  في  النصوص الانجيلية المتعلقة  بالمدفن الذي وضع  فيه  جثمان السيد المسيح بعد انزاله  عن الصليب . لقد جاء في النص الانجيلي على لسان النسوة اللواتي أتين لزيارة القبر : " من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر... وكان كبيرا جدا" ( مرقس ١٦: ٣-٤) . يعتبر رينان  ان المدفن الذي رآه في شلعبون  هو من المدافن التي تعطي اقرب ما يكون من صورة عن مدفن السيد المسيح . قال : 
"Ce caveau parait de ceux qui peuvent le mieux donner l'idée du tombeau du Christ
Mission de Phénicie, page 679) )

3- العثور على تحفة الدوير ، محتواها وعناصرها الفنية والثقافية :
3-1 - في احد ايام ربيع ١٨٦١، وبعد جولة في شمالي لبنان وارواد ، قدم ارنست رينان الى عين ابل من الجهة  الجنوبية ، يرافقه عدد من معاونيه الفنيين والمترجمين ، معرًجين على نقاط التنقيب عن الاثارات الواقعة عند  السواحل والجبال اللبنانية الجنوبية وفي منطقة الجليل الفلسطيني، واهمها قائم  في خراب صور وام العواميد وقانا، وقنيفذ .... ففي الدوير شاهد بقايا قسم من هيكل وثني تقع عند بوابته قطعة صخرية ضخمة  من الطراز الجيد  الشبيه بطراز  القطع الاثرية التي كان قد شاهدها  في ام العواميد قرب الناقورة . وهي ذات سبائك عريضة ونافرة قليلا  مع خدود داخلية على جانبي البوابة. 
Elle est d'un bon style, de peu de saillie, analogue a celle dOum el Amad, Il y a une rainure intérieure dans les jambages a moulures plates.
اضاف: " وسط هذا الركام  يوجد كتلة صخرية  ضخمة  مكعبة ، تحمل على مسطح من مسطحاتها  رسما منحوتا وكتابة . عرض عليَ البناؤون  والحجَارون  من أبناء عينبل ( هكذا يكتبها بالعربية وبالفرنسية  Ainibl)  ان يفصلوا لي الواجهة المنحوتة ويجعلوها على شكل بلاطة قليلة السماكة  حتى يمكن نقلها على ظهر جمل الى ( مرفا )  صور" ، من حيث يتم شحنها  من هناك على متن بارجة فرنسية كانت قد وضعتها الدولة الفرنسي بتصرف " بعثة فينيقيا " تمهيدا لنقلها الى متحف اللوفر - باريس. يتابع رينان الرواية فيؤكد ان ابناء عين ابل  " قاموا بمهارة  نادرة بتنفيذ تلك العمليتين - ( الفصل وتقليص السماكة) بالرغم من انهما  شاقتان جدا . وهذا الاثر هو الان في اللوفر حيث يشكل ، على ما اظن ، اغرب نموذج  في حوزتنا حتى اليوم ، حول العبادات ( الوثنية ) السورية " .  لعل كتابة اسم عين ابل  هكذا ( عينبل ) والاشارة الى كونها قرب صور حمل  بعض الباحثين الى الوقوع في الالتباس بين  عين ابل عينبل وعينبعال الواقعة بالفعل قرب صور. غير ان  الاشارة في النص الى محازاة شلعبون والدوير وتحديد هوية  أبناء عين أبل المسيحية أزالت  كل لبس حول  مصدر اللوحة الحقيقي.
وضع للوحة الدوير رسم خاص تحت الرقم : (Planche LVII,figure 3) في المجلد الذي خصصته البعثة لمجموع اللوحات التي تم العثور عليها خلال عمليات التنقيب  في " بعثة فينيقيا" . اما مقاييس  التحفة كما وجدت في متحف اللوفر فهي 110 سنتم ارتفاعا ، و 117 عرضا و7  سماكة. غير انها كانت اكثر من ذلك عندما عثر عليها في الدوير. يبدو انه قد تم ترتيب  حجمها مرة اخرى في اللوفر  لتثبت على ما انتهت عليه  حاليا من حيث الشكل والحجم بالأضافة الى الركيزة  المعدنية التي تقوم عليها كما يشاهد في الصورة.

3- 2- الرسم والكتابة
----------------------
الرسم الذي تحمله بلاطة الدويرهو كناية عن شكل هندسي مستطيل تتوزع خطوطه توزيعا  متناسقا ومتوازيا - symétrique-  بين مستويين عموديا وافقيا .
في المستوى الاعلى الافقي الايمن  رسم نصفي  لقامة الالهة ارتميس او ديانا تكلل رأسها هالة  تمثل كوكب القمر. تظهر وهي  رافعة بيدها اليسرى مشعلا  ، اشارة الى دورها  منيرة  وحامية  للنساء الفتيات وبخاصة الحاملات منهن ، بالاضافة الى دور آخر لها كالهة للصيد،  باعتبار النشاط الزراعي الى جانب الصيد هوالأبرز والمصدر الرئيسي من مصادر العيش في المنطقة. تقف أرتميس وراء ثور ضخم الجثة يقف بدوره على ثلاث قوائم فيما تشير الامامية منها ،  من جهة الناظر اليها، الى  حالة من الحركة، دليلا على الحيوية التي يتمتع بها. تعبرعن تلك الحركة  تعبيرا واضحا وملفتا عينا الثور المحدقتان الى الناظر .  
في  المقابل ومن الجهة اليسرى يقف الاله أبولون ، كبير مجمع الالهة في الميثولوجيات المتنوعة، الرديف أو المساوي لزفس وجوبيتر والبعل ،  في مشهد نصفي ، فيما تظهر  حول رأسه  شعلة من كوكب الشمس ، في مقابل هالة القمر المحيطة برأس ارتميس . بيده اليمنى صولجان السلطة الملوكية . يرتدي  كما ترتدي ارتميس عباءة  مثبتة فوق كل كتف بكتلتين مستديرتين . أمامه  يقف ثور شبيه بثور الجهة اليمنى شكلا وحركة ، مع فارق الزخرفة  التي تزين الدائرة المكوّنة من التفافة ذنب كل من الثورين باتجاه الظهر. داخل دائرة ذنب الثورالايمن رسم شعلة  لولبية وكوكبية ، وداخل دائرة ذنب الثور الايسر رسم وردة . وراء هذين الشكلين يقرأ بعض مفسري  الرموز الميثولوجية علامات فلكية - Cosmique Astrale - .في قراءة اعمق واكثر تجريدية لمعاني ورموز اللوحة ، يرى البعض لا رسما لأبولون وارتميس بحد ذاتهما  فقط ، بل ايقونة لتكريم الشمس والقمر، وذلك بالنظر اليهما كعنصرين  من عناصر الطبيعة والعبادات المتصلة بالكوكبين الكبيرين بين الكواكب ( الشمس والقمر) ، في اطار الحضارات التي نشأت و تعاقبت في مناطق الشرق الاوسط ، في ما بين النهرين - Mesopotamia  - وبلاد كنعان على طول سواحل البحر المتوسط  ومناطقها الداخلية .

- اما العنصرالمركزي  الذي يتوسط اللوحة ، شجرة النخيل ، ويحتل  موقع الصدارة من الرسم المحفور في الصخر ، فانه يشكل ايقونية مركزية ،  ورمزا من رموز بلاد كنعان . هذه التسمية  ( كنعان )  ترجمها  اليونانيون الى " Phonics"، وعنهم انتشرت وساد تداولها  حتى اليوم  . اللفظة تحمل اكثر من دلالة واحدة .
أ- تعني النخيل ، اولا . كان منظر شجر النخيل اول ما يلفت نظر اليونانيين عندما تطل عليهم شواطئ كنعان في الجهة الشرقية للبحر المتوسط . لذل اطلقوا عليها تسمية بلاد النخيل . والنخيل شجر مقدس في قواميس العربية القديمة .
ب - تعني اللفظة اللون النحاسي ، نظرا للون بشرة بحارة بلاد كنعان .
ج-  تعني لون البرفير ( الارجوان ) المستوحى من لون مادة  لزجة كان يستخرجها أبناء صور من صدف البحر ، وبها يصبغون الاقمشة الفاخرة  الخاصة بالاباطرة والملوك. اللون الارجواني هو عينه لا يزال كرادلة الكنيسة الكاثوليكية ، امراؤها ، يعتمدونه الى اليوم . –
د- تعني اللفظة ايضا طائر الفينيق الاسطوري الذي له مع كل زمن جديد   قيامة وحياة جديدة.

-  رسم شجرة النخيل كان  ينقش على موازين  ( et mesures poids )  حاضرة صور في العصر الروماني . لا غرابة ان تحتل النخلة مركز الرسم المنقوش في لوحة الدوير ، لأنها شجرة مقدسة  لها من ارتفاعها   بين  ثوري البقر اكثر من دلالة على  معاني الخصب والعطاء  والخلود.وهي كشجرة الارز بالنسبة لجبال لبنان غنية بالمعاني .
إن مشهد  النخلة وهي محاطة بزوج من الثيران يعود في الفنون  العبادية الى زمن قديم من الألف الثاني قبل المسيح .
الى ذلك تجدر الملاحظة الى أن  النخلة المنقوشة  في الصخرة هي هرمية الشكل  ، تجانسا ربما مع  هرم النصب التذكاري الذي تزدان به قاعدته، فيما تظهر بارزة  آثار اصول  سعف النخيل  المقطوعة من الجزع من أسفل الى أعلى  دلالة على مرور الزمن ، تاركة مكانها أشكالا شبيهة بقشور السمك . ومن اعلى النخلة  يتدلى عنقودان  ( قطفان ) من عناقيد البلح  ، بما  يوحي بالمنظر التقليدي والوطني ، ان صح التعبير ، الذي انطلق منه اليونانيون ليطلقوا على سكان المنطقة  اسم  "فينيقي" أي  اهل  النخيل ، كما بينّا في المقطع السابق  .

راجع:
 Catalogue : Annie Caubert et Elizabeth Fontan et Eric Gubel Art cf phénicien : La sculpture de tradition phénicienne, Musée du Louvre, Département des Antiquités Orientales, RMN, Paris, 2002,Snoek,Gand 2002,page 125,

3 - 3-   الكتابة : تحمل اللوحة ، التي كانت تزين قاعدة  النصب التذكاري الهرمي الشكل في محيط هيكل ابولون فوق تلة الدوير ، كتابة  منقوشة  باللغة اليونانية ، وذلك تخليدا لذكرى اشخاص وجهاء مرموقين  في محيطهم عاشوا  في المرحلة الزمنية المتراوحة بين  تاريخين حسب مراجع رينان ومتحف اللوفر.( ١٩٥ و ٢٩٥ م . ) .
 تأرجحت  نتائج الباحثين ( وخصوصا ارنست رينان  و كاتولوغ  اريك غوبل وآخرين  ومتحف اللوفر ) في تحديد اي هذين التاريخين هوالاقرب الى الحقيقة . يلاحظ ان الكتابة التي حفرت في لوحة الدوير تقسم الى قسمين . قسم يقع في الاطار الاعلى للوحة والآخر  في  المساحة  المنبسطة بين  جانبي الشجرة .
الكتابة العليا وجد  الباحث الفرنسي صعوبة في قراءتها كاملة ، الا انه بعد جهد  انتهى هو وغيره من الباحثين في متحف اللوفر الى الصيغة التالية :  " الى  الأله  ابولون .... مثال ابن  سلمان ، وكيل هيراقليط  قائد الفرقة السادسة  ، قدّم   المدخل  ،  إتماما  لنذر ، من أجل  خلاص أبنائه  "
وفي الكتابة الثانية  على جانبي رسم النخلة : " سنة  321 في 16 من شهر  بانيموس " ، حسب التقويم السنوي الصوري . هذه القراءة الحديثة لكتابة الدوير كان قد سبقتها قراءة من قبل رينان  منذ الطبعة الاولى لكتابه  " بعثة فينيقيا. يذكر فيها  : "سلمان وهيراقليط هما الابنان  اللذان يبدو ان  النصب التذكاري قد وضع من أجلهما "  ( من صفحة 675 الى 680) . وفي رأي آخر مكمل أن " واهب التذكار هو ابن وكيل قائد جيش فراتا ، المقيم في المنطقة المحازية في فلسطين في كفرقطنة من الجليل .وهو الذي قدم مدخل او بوابة المعبد الريفي في الدوير " .
وسط بقايا هذ ه البوابة طلب رينان قطع منحوتة اللوفر " .( المرجع السابق )
ولكن الباحث  تردد  في  تحديد ما يقابل تاريخ  هذا الاثر  بين كل من حسابات التقويم الصوري والتقويم الانطاكي والتقويم الميلادي . لذلك جعله مرة في 195 ميلادية ومرة في 295 . ولكن مهما يكن من امر هذه المقابلة  يبقى ان كلا من التاريخين  المشار اليهما يشكلان محطات  ذات شأن بالنسبة  لتاريخ المسيحية  في جنوب لبنان ، كما نحاول ان نبيّن . 

4- في متحف اللوفر : وضعت لوحة الدوير في متحف اللوفر منذ وصولها الى فرنسا  على ظهر بارجة  كولبير حوالى نهاية العام 1861 ، واستقرت في جناح الاثار الشرقية  في صالة دينون، تحت رقم  ووصف :
راجع:
" Mission de Phénicie, 1860- 1861. Département des Antiquités , Référence 4877.
Description : Relief représentant Apollon et Artémis. 295 après J.C. ( 421 de l'ère de Tyr),
Dueir pres de Tyr,Liban, Calcaire »

مقاييس التحفة كما وجدت في متحف اللوفر هي : 110 سنتم ارتفاعا ، و 117 عرضا و7  سماكة. غير انها كانت اكثر من ذلك عندما عثر عليها في الدوير،  قبل أن يتم ترتيب  حجمها مرة اخرى في اللوفر  ، لتثبت على ما هي عليه  حاليا من حيث الشكل والحجم بالأضافة الى الركيزة  المعدنية التي تقوم عليها .


5-1 هيكل الدوير  في اي اطار تاريخي  وما هي علاقته  بالمسيحية ؟
التاريخان اللذان يحددهما  رينان او غيره من الباحثين كتاريخ  للكتابة  اليونانية المحفورة على بلاطة الدوير 195 و295  م.  يشكلان ، بغض النظر عن أيهما أصح ، محطتين ذات شأن كبير بالنسبة لتاريخ جنوب لبنان وبخاصة المسيحية  المتنامية فيه  يومذاك ،  من خلال تأثيرها الديني والاجتماعي ، الفكري والفني ، ولا سيما  في مدينة صور وضواحيها حيث  نشأت جماعة  ناشطة ومؤثرة قدمت  في سنة  198 م. ، أي بعد  ثلاث سنوات من  تاريخ  بلاطة الدوير فقط ،  شهيدة - كريستينا الصورية – وهي من أبرز شهداء صور الخمسماية ( الذين تحيي الكنيسة المارونية ذكراهم في 19 شباط من كل سنة ). كان ذلك  في عهد مطران صور "كاسيوس" الذي يسجل لنا التاريخ  عنه حضوره مجمعا كنسيا  في فلسطين للبحث في تحديد عيد الفصح .
 يشكل تاريخ  سنة 195   محطة انتقالية من حكم السلالة الانطونية  وآخرها كومود  الى السلالة الساويروسية ، واولها سبتيموس ساويروس  ذو الأصل والهوى الشرقيين . وقد  امتد نفوذها الى حوالي سنة 250  ، بعد ان عرفت  روما مع هذه السلالة  أهم حقبة من حقبات تاريخها لجهة العمران والتقلبات السياسية . ولا سيما  انها أحيت في هذه  المرحلة  الاحتفالات بمرور الف سنة على تأسيها. انتهى التأثير الفينقي السوري  ( بالمعنى الواسع الحضاري للكلمة  لا السياسي  والجغرافي الحالي  )،  بحكم فيليبوس العربي الأب والأبن  وهما تحديدا من  بصرى الشام ، فيليبوبوليس . وقد  اعتبر فيليبوس الاب   اول من ادخل النفوذ المسيحي الى الدولة الرومانية . ويرجح انه اعتنق المسيحية ، كما يؤكد ذلك معاصره المؤرخ اوسابيوس القيصري  ،  الامر الذي أثار ضده ( فيليبوس ) معارضة  داخل صفوف الجيش الروماني  تجددت معها  موجات من الاضطهاد استهدفت  المسيحيين في جميع انحاء الامبراطورية،  وكان اشدها  ما  جرى  في عهد ديوقليسيانوس بين 284 و311 ،  الى ان  ظهر قسطنطين الكبير عام 312  الذي اوقف الاضطهاد واطلق حرية العبادة عام 313 من خلال اعلان ميلانو .  بعد هذا التاريخ بدأت الدولة الرومانية تتحول تدريجا من نظامها الوثني الى المسيحية .
 في عهد قسطنطين  تستوقفنا أربعة احداث ذات صلة بلوحة ابولون وارتميس  تستحق الذكر : - تجديد بناء كنيسة صور  316-323، على يد اسقفها باولينوس ، - مجيء والدة الأمبراطور ، القديسة هيلانة ،  الى الشرق حيث عملت على ترميم الكنائس المهدمة وبناء كنائس جديدة منها كنيسة القيامة والمهد وربما كنيسة سيدة المنطرة في مغدوشة - إعلان يوم الأحد  يوم عطلة عام 320 ، تكريما ل " الإله الشمس" ، من دون تحديد اذا ما كان المقصود به "ابولون" او ا"لسيد المسيح"  ، لأن مسيحية قسطنطين بقيت ملتبسة وغامضة حتى اقتباله سر المعمودية في السنة الرابعة قبل وفاته
 - اجراء تعديل  على التقسيمات الادارية  في الأقاليم الفينيقية عام 330 ، يلفتنا فيه  تأسيسه مقاطعة  جديدة تقع  شرقي فينقيا الساحلية  التي عاصمتها صور ، اطلق عليها  اسم :
"Provincia Arabia Augusta Libanensis"
ولكن هذا الاجراء  لم يدم مفعوله طويلا اذ  ان  كونستانس  ، خليفة قسطنطين ،  أبطله واعاد الحاق "المقاطعة العربية اللبنانية  العظمى" بالعاصمة  صور . (راجع : صور حاضرة فينيقية  ، معن عرب ، دار المشرق – بيروت 1986 ، صفحة  86) .

5-2 الانتقال التدريجي من تكريم ابولون الشمس الى المسيح الشمس:
 ذكرنا ان الفرضية الثانية  لتاريخ أنشاء لوحة الدوير ، بحسب رينان  ومعطيات متحف اللوفر على الأقل،  هي سنة 295. شكلت  هذه السنة  والسنوات التي تلتها حتى  312 زمنا مفصليا  في تاريخ الامبراطورية الرومانية، تميز ببروز  عائلة قسطنطين  فوق المسرح السياسي والعسكري، وبتفردها بشكل معين من العبادة والمعتقد جمعا بين الوثنية والمسيحية  معا ، وذلك من خلال  اعتقاد ساد لدى افرادها  بأنها  هي من يملك  الايمان الصحيح ، الأيمان بالأله الشمس :
 "Deus Sol-  SOL INVICTUS "
، الأله الشمس  الذي لا يُغلب ، الممثل بأبولون والذي حل مكانه  "المسيح  الشمس"  أو النور ، في العقيدة المسيحية  ، كما سنرى .
النور هو الصفة التي اثبتتها صيغة " قانون الايمان  "  : " نؤمن باله واحد ضابط الكل .... .اله من اله ، نور من نور" ، خلال  مجمع نيقيا الذي دعا اليه ونظمه الملك قسطنطين بنفسه. وتبعه مجمع اقليمي عقد في صور تحت رعاية الامبراطور نفسه  سنة ٣٣٥. 
تأكيدا على هذا  المبدأ  المعتقدي (الشمس والنور ) في النهج القسطنطيني ( الذي مزج بين الوثنية والمسيحية ) بهدف تحقيق الوحدة وتوطيد السلام في الدولة ، نورد  ما قاله أحد بعض الباحثين في تاريخ بداية المسيحية في معرض الحديث عن تكريم العائلة القسطنطينية ل "الأله الشمس" ، الصفة التي باتت  تطلق على السيد المسيح  بعد ان كانت تطلق على أبولون:

Ainsi la "paix constantinienne ", selon l'expression consacrée, est plus qu'un retour a la liberté, c'est une reconnaissance officielle de l'Eglise : elle est désormais favorisée et privilégiée, voire unie a l'Etat par des liens aussi forts que ceux qui unissent celui-ci aux vieux cultes de l'ancienne Rome et a la nouvelle religion solaire proclamée par Aurélien (qui en 270-275 ,fit construire à Rome le Temple du Soleil, magnifiquement orné par le butin rapporté de Palmyre, et desservi par un clergé spécial. En effet en  273, AURELIEN vaincra ZENOBIE, reine de Palmyre, et la cité du désert sera pillée).
La transition a précisément été facilitée par cette dévotion au Soleil, affichée déjà dans la famille de Constantin et par l'assimilation du Dieu chrétien au SOL INVICTUS.
Ainsi quand une loi de Constantin en 320 prescrit de chômer le dimanche, elle l'appelle DIES Solis , et non » le jour du Seigneur ».Bien d'autres lois manifestent , au moins implicitement ,la conversion du prince ,qui entrainait celle de l'Etat lui-même :les principes de la morale chrétienne inspirent maintenant le droit romain «. ( cf :  Le Christianisme Antique, par M.Meslin et J.R Palanque, Collection U2,Armand Colin, Paris 1967, page 60)

اذا كانت لوحة الدوير قد انشئت في هذا الأطار التاريخي العام ، حيث انطلقت فكرة توحيد الدولة تحت  عنوان "الأله الشمس الذي لا يُقهر  " ، فليس مستبعدا إذا  أن يعود رسم كوكب الشمس ، الظاهر على يمين اللوحة ، المحيط برأس أبولون الذي يمسك في يده اليمنى بصولجان السلطة ، ورسم شلعبون ، شعار قسطنطين ، المدرج في جدار كنيسة السيدة في عين إبل الى  مصدر واحد ، على انهما عنصران من منظومة  واحدة . منظومة  سيطر على  بعض جوانبها  الطابع المزجي، سنكريتيسم Syncretism ،
 الذي استغله بعض الحكام  ( أوريليانوس وقسطنطين ) بأسلوب ديماغوجي ، كل حسب مفهومه الخاص، من اجل توطيد نفوذه في المجتمع  الروماني المتعدد الدين والثقافة والعرق . 

من هنا بدا ان قسطنطين  المعروف بطباعه القاسية ، والبعيد عن الأخلاق المسيحية في اول عهده ، قد برع  في انتهاز فرصة الالتحاق بالقوة المسيحية الصاعدة ، لكي يطرح نفسه قائدا مقبولا من الجميع، وثنيين ومسيحيين، عندما جاهر بمسيحيته ولكن من دون  أن يذهب الى نهاية الانتماء اليها عندما بقي طويلا على موقفه المتأبي من تقبل سر المعمودية ، ليظل على مسافة واحدة من الجميع ، متمسكا   في معتقده الديني والوطني بولاء مطلق ل"اله الشمس"  الذي يمكن فهمه  موجها إما لأبولون ، بالنسبة للوثنيين ،  وأما للمسيح بالنسبة  للمسيحيي. 
نكتفي بهذا عن الاطار التاريخي الذي يمكن التوسع فيه....

- في  خلاصة هذا العرض  يمكن  القول : إن  تحفة الدوير ، ابولون وارتميس ، هي من اثار معبد فينيقي روماني  يعود الى  ما بين 195 و295  م. ويمكن ان تمتد الشريحة الزمنية الى  حوالى سنة ٣٣٠ .  وهو معبد  من معابد المرحلة الانتقالية في المجتمع الروماني من الوثنية الى المسيحية  ، حين  باتت هذه الديانة الجديدة تشكل ديانة الاكثرية من  سكان الدولة الرومانية .
 كان هيكل الدوير في تلك الظروف احد المعابد العديدة المنتشرة في  معظم المناطق اللبنانية ساحلا وجبلا  ، ومن جملة المعابد  المكرسة للبعل ، ابولون  ، اله النور  والخصب الذي يحظى بقسم كبير من الاناشيد الميثولوجية: 
ابولون  يقيم على الجبال ،  شقيق عنات  ، الملقبة  ب "العذراء" ، "ندى السماء"  ، "شفيعة الحقول والمزروعات" .
( راجع: لبنان من الوثنية الى المسيحية ، صفحة  22-24،  ناصر الجميل ، بيروت 2000).
- وقبل الختام لا بد من الاشارة الى  ان من حق ابن عين ابل اليوم ان يقرا  في مشروع "معبد سيدة ام النور"  عند مدخل عين إبل الشمالي ، كما في  "نشيد النور" في بداية القداس الماروني  صدى لتلك النزعة  الايمانية  الكامنة في عمق الوجدان الشعبي المتواصل في التراث منذ القديم  ، نحو تمجيد النور الذي ينبوعه المسيح  ،" نور الحق الذي ينير كل إنسان " (يوحنا : 1:9) : حسبما ورد في الانجيل ،
- أو كما جاء في قانون مجمع نيقيا الذي اشرنا اليه وقد رعاه الامبراطور قسطنطين بنفسه ، عام 325 ،وكان له ملحق عقد في مدينة صور عام 335،  : " اله من اله ، نور من نور " ،
  -او في نشيد الصباح في بداية القداس الماروني :
بنورك ربنا يسوع ، نستنير
يا عين الانوار ،
يا ذات النور الحقيقي ،
يا شمس الأقطار ،
أهلنا لنورك  المضيء،
وفي صباحك البهج نستضيء.

- او في نشيد المساء الذي تتناقله  الاجيال منذ عصر المماليك ( الرابع عشر ) والذي مطلعه: 
 "حطيت راسي عا فراشي"
"صدقت يا ام النور  يا ام الشمع والبخور
صدقت يا ست الستات انت شمس السموات
انت عمود النور انت يا عطر البخور
خليني شمعة طولك تا يفيض علي نور. 

ان موضوع النور  ( المشعل ، والكواكب )   والخصوبة  والانتاج ( الثوران ) ، والصيد ، والعمل الفني والزراعي  (النخلة ) ، والعبادة  ، والانتماء ، وسواها من المواضيع التي تنطوي عليها  لوحة الدوير ،  هي من ابرز المواضيع التي يدور حولها التراث. 

من الجميل ان نستذكر هذا التراث  ونلقي الضوء عليه  ، ولكن من  الاجمل والاجدر بنا  أن نعرف كيف نحفاظ عليه ونترجمه أفعالا في مسار حياتنا  اليومية ومجرى تاريخنا  ، لكي نحقق بذلك  التواصل ما بين ماضي  الحياة بحاضرها الراهن ،  والمطل بأمل ورجاء في آن  على المستقبل الآتي ،
 مرددين  مع أحد الفلاسفة  بقوله :
"ليس  المستقبل الا للشعوب التي تكون قد عرفت كيف تقدم لأجيالها الصاعدة اسباب الأمل والرجاء" .