كلنا للوطن .أي وطن؟

SmileyCentral.com

lundi 20 mai 2013

تلة الدوير - عين ابل من شمس أبولون الى شمس المسيح




تلة  الدوير وخربة شلعبون في كتاب " بعثة فينيقيا " - عين ابل  من شمس أبولون الى شمس المسيح ،
تحفة التراث العين ابلي القديم ; ج- ت- خريش ،

·                     مقدمة: التراث واهميته في حياة الامم والجماعات
·                     1-"بلاطة تلة الدوير" من متحف اللوفر - فرنسا الى مسقط رأسها - عين ابل .
·                     2"بعثة فينيقيا" ، "Mission de Phenicie
·                     3 - الدوير وشلعبون في كتاب " بعثة فينيقيا ":
·                              4- العثور على تحفة الدوير في متحف اللوفر ، محتواها وعناصرها الفنية والثقافية : الرسم والكتابة
·                              5- هيكل الدوير  في اي اطار تاريخي  وما هي علاقته  بالمسيحية ؟
·                      


مقدمة :  تفتخر الامم والشعوب بما لدى كل منها  من تراث ،  لانه عنوان هويتها ، وركيزة من ركائز نموها وازدهارها. .
بالتراث  وهو جزء من الثقافة تتواصل الجماعات وتستمر، وفي سبيلها ايضا  تعمل  وتعيش.التراث تحديدا هو مجموع الاشياء المادية المتوارثة وغير المادية ، الارض بما تنبت وما تحتضن . وهي أيضا القيم والافكار والفنون بما فيها خصوصا من معالم الابداع، وهي التقاليد والعادات  الاصيلة التي لا تستسلم للجمود او الاستنقاع .
لبنان بثقافته وتراثه  يعتبره العالم نموذجا  ، برغم اوهانه العديدة. بهما استدام  صورة جميلة على الرغم مما يعتريه  من بشاعات مؤقتة تزول –إن شا الله -  مع زوال اسبابها الخارجية  والداخلية. 
 وما يقال عن الوطن يقال أيضا عن المدينة والقرية.
وقد شاء الله والتاريخ أن تقع بلدتنا عين ابل  في  مكان عزيز  ومقدس  من لبنان ، كان له في الماضي  البعيد والقريب  دور  ليس بالهامشي البتة في ترسيخ القيم  التي جعلت منه نموذجا ورسالة تحتذى بين الاوطان والدول .

تراث عين ابل  وثروتها: الارض ، البيئة ، الاثار ، طرق العيش والسكن ، تناقل المعرفة والخبرة ، التاريخ، الوجوه  ، العادات الجميلة، حب الحياة، الضيافة، حب المعرفة، والعيش بسلام وحرية.
من هذا المنطلق كان لا بد من تفكير  حول هذا التراث الجامع والموحد ، في زمن  ينتابه – كما ينتاب الوطن كله - العديد من الاضطرابات . تفكير ينفتح على مشاريع  ملموسة وذات تأثير منتج  في النفوس والواقع البيئي البشري والجغرافي معا.
كيف نحافظ على هذا التراث  ونعمل على  تفعيله ونقله الى الاجيال لكي يظل حيا ومؤثرا 

١ - "بلاطة تلة الدوير" من متحف اللوفر - فرنسا الى مسقط رأسها - عين ابل .

تعلمون ان دار بلدية عين ابل في ٢٢ تشرين الاول  ٢٠١١ ، استقبلت تحفة اثرية نادرة،  نقلت اليها مباشرة من متحف اللوفر- باريس .
واودعت مؤقتا في احدى غرفها بانتظار ان تعرض بصورة اكثر علنية في احد مواقع البلدة لتكون امام انظار الجميع شاهدا بارزا على تراث عريق يعود في اجلى واجمل صوره الى حوالي١٨٠٠ سنة .
ماذا تحمل " بلاطة تلة الدوير"  من رسوم منحوتة في الصخر ومن كتابة ، الى اي زمن تعود بنا وما هي الظروف التاريخية السياسية والاجتماعية  التي أنشئت في اطارها ، اي معان ودلالات ثقافية تنطوي عليها؟ 
في اي ظروف ، كيف ولماذ تم نقلها الى فرنسا ، وكيف تم الحصول على نسخة طبق الاصل عن القطعة الام ؟ 
اسئلة نحاول الاجابة عنها بايجاز في هذه الورقة .

٢- "بعثة فينيقيا" ، Mission هو عنوان مشروع ثقافي فرنسي على غرار مشروع نابوليون للتنقيب  عن الاثار المصرية  بعد الثورة الفرنسية في مطلع القرن التاسع عشر.
 وان تكن فكرة مشروع التنقيب  عن الاثار الفينيقية في لبنان والمناطق المجاورة له قد نشأت في الاوساط السياسية  والاكاديمية الفرنسية  قبل تاريخ نشوب الاضطرابات الاجتماعية والامنية في لبنان عام ١٨٦٠، الا انها تزامنت معها ، وتحققت في اطار الحملة التي نظمتها فرنسا من اجل وقف نزيف الدماء في لبنان وسوريا والتي راح ضحيتها حوالى ١٧٠٠٠ نسمة معظمها من ابناء الطوائف المسيحية.
مثلما تم تعيين الجنرال بوفور على رأس الفريق العسكري في تلك الحملة تم كذلك تعيين العالم والفيلسوف جوزف ارنست  رينان على رأس فريق علمي اركيولوحي. انطلقت البعثتان وانتهتا متزامنتين  بين خريف ١٨٦٠ و١٨٦١. خلاصة تلك البعثة العلمية جُمعت في مجلدين ضخمين صدرت الاجزاء  الاولى منهما ابتداء من ١٨٦٤. 
- ما يهمنا في هذا الاثر الجامع لأبرز الاثار الفينيقية التي اكتشفها او القى الضوء عليها العالم رينان هو ما يتعلق بما تركه لنا من مشاهدة ووصف  للمعالم الاثرية التي عثر عليها في ارض عين ابل، وتحديدا في موقعين اثريين بارزين هما : "تلة الدوير" الواقعة شمال غرب خراج البلدة وعلى مسافة كيلو متر من مركزها، و"تلة شلعبون" الواقعة على يمين  مدخل عين ابل من جهة  بنت جبيل فوق البركة الزراعية المعروفة  بهذا الاسم من جهة اخرى  .
- زيارة رينان الى عين ابل  جرت في ربيع ١٨٦١، حيث كان يرافقه عدد من المنقبين والرسامين . ويبدو صريحا انه التقى بعض ابناء البلدة ولا سيما كهنتها الذين لفتوا انتباهه الى اسم " شلعبون " الوارد في الفصل التاسع عشر من سفر يشوع بن نون من الكتاب المقدس . الجدير ذكره ان تاريخ يشوع بن نون يعود الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. يحدد رينان  موقع عين ابل في المنطقة التي  يسميها  " اطراف فينيقيا " ،  "بلاد بشارة "، او " ريف صور "،  متوقفا في مقدمته وفي متن كتابه على وصف حسن العلاقات بينه وبينه الأهالي، وعلى نيله موافقة السلطة العثمانية ورضى رؤساء الطوائف والاهالي  دون استثناء في ما يتعلق بإجراء بعثته، حتى يزيل عنه كل تهمة بسرقة الاثار ونهبها ، كما قيل عن البعثة التي نظمها نابوبليون في مصر .
يمكن القول ان خسارة  البلدان الشرقية لمعظم تراثها  وتشتته  تعود بالدرجة الأولى  الى ظروف الاحتلال والاستعمار ، ولكن ايضا الى اهمال التراث وانقطاع التفاعل الحي معه من قبل اهله،  السلطا ت الحاكمة  والمؤسسات الثقافية  و السكان المقيمين  .

 .٣ - الدوير وشلعبون في كتاب " بعثة فينيقيا ":
في متن كتابه الضخم  وألواح الرسوم  ( planches ) المرفقة به خصص العالم رينان ٤ صفحات لوصف ما عاينه في كل من الدوير وشلعبون. ومن أهمه :
- في الدوير : - بقايا معبد وثني ولوحة منحوتة في الصخر الكلسي الابيض كانت  تشكل جزءا من نصب تذكاري تعود لشخصيتين من وجهاء المنطقة بين اواخر القرنين الثاني او  الثالث الميلاديين.
كما شاهد بركة وعددا من الابار المنقورة في الصخر كانت تستعمل لتخزين المياه وحبوب المؤونة.
- في شلعبون :  اقبية وبناء مربع وابار مشابهة لتلك التي شوهدت  في الدوير ، ومدافن او نواويس تعود الى امراء من السلالات العربية الرومانية،  ولا سيما الغساسنة ، وكانوا على المذهب المونوفيزي، حلفاء روما وبيزنطية احيانا وخصومهما احيانا اخرى. الى جانب هذه النواويس لا بد ان عاين  رينان رموزا منحوتة في الصخر شبيهة بشعار الامبراطور قسطنطين الكبير ، مطلق الحريات الدينية عام ٣١٣ واول امبراطور روماني ايد علنا الديانة المسيحية ، اذا استثنينا سنوات قليلة من حكم الامبراطورين الاب والابن فيليبوس العربي في اواسط القرن الثالث ( ٢٥٠-٢٥٤) .
 ومن جميل الصدف التاريخية ان اجدادنا العين ابليين ادرجوا احد تلك المعالم  الأثرية  في أعلى جدار "كنيسة السيدة"  عندما شرعوا في بنائها عام ١٨٦٦ واكملوها عام ١٩٠٧. وتلك الشارة التاريخية  تظهر للعيان فوق الباب الغربي للكنيسة  على شكل  بلاطة مستطيلة ملساء لا يزيد طولها عن المتر . نُقش فيها  رسم ثلاثة رماح متصالبة قد تمثل مختصرا بالمقارنة مع رسوم ونقوش من العهد القسطنطيني ، للفظتين  باللغة اللاتينية او الرومانية :   Pax Christi ، اي سلام المسيح ، كما تمثل الحرفين الأولين باليونانية من اسم السيد المسيح .X.P.  
- كان قسطنطين الكبير قد اعلن قبل استلامه السلطة ، اتخاذه من هذه العلامة شعارا عندما راها في حلم ، وسمع صوتا،  قبيل معركة حاسمة كان عليه ان يواجه فيها خصومه،  يقول له : "بهذه العلامة تنتصر". ومنذ ذلك التاريخ اي ٣١٣ ميلادية بدأ الاعتراف  بحرية المعتقد والدين في الدولة الرومانية ، كما  راحت الدولة المسيحية  تشق طريقها الى الوجود .  
-  لعل اهم ما عاينه الباحث رينان  في شلعبون هو " قبو" يشبه الى حد كبير المدفن الذي نقرأ عن بعض خصائصه الهندسية  في  النصوص الانجيلية المتعلقة  بالمدفن الذي وضع  فيه  جثمان السيد المسيح بعد انزاله  عن الصليب . لقد جاء في النص الانجيلي على لسان النسوة اللواتي أتين لزيارة القبر : " من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر... وكان كبيرا جدا" ( مرقس ١٦: ٣-٤) . يعتبر رينان  ان المدفن الذي رآه في شلعبون  هو من المدافن التي تعطي اقرب ما يكون من صورة عن مدفن السيد المسيح . قال : 
"Ce caveau parait de ceux qui peuvent le mieux donner l'idée du tombeau du Christ
Mission de Phénicie, page 679) )

3- العثور على تحفة الدوير ، محتواها وعناصرها الفنية والثقافية :
3-1 - في احد ايام ربيع ١٨٦١، وبعد جولة في شمالي لبنان وارواد ، قدم ارنست رينان الى عين ابل من الجهة  الجنوبية ، يرافقه عدد من معاونيه الفنيين والمترجمين ، معرًجين على نقاط التنقيب عن الاثارات الواقعة عند  السواحل والجبال اللبنانية الجنوبية وفي منطقة الجليل الفلسطيني، واهمها قائم  في خراب صور وام العواميد وقانا، وقنيفذ .... ففي الدوير شاهد بقايا قسم من هيكل وثني تقع عند بوابته قطعة صخرية ضخمة  من الطراز الجيد  الشبيه بطراز  القطع الاثرية التي كان قد شاهدها  في ام العواميد قرب الناقورة . وهي ذات سبائك عريضة ونافرة قليلا  مع خدود داخلية على جانبي البوابة. 
Elle est d'un bon style, de peu de saillie, analogue a celle dOum el Amad, Il y a une rainure intérieure dans les jambages a moulures plates.
اضاف: " وسط هذا الركام  يوجد كتلة صخرية  ضخمة  مكعبة ، تحمل على مسطح من مسطحاتها  رسما منحوتا وكتابة . عرض عليَ البناؤون  والحجَارون  من أبناء عينبل ( هكذا يكتبها بالعربية وبالفرنسية  Ainibl)  ان يفصلوا لي الواجهة المنحوتة ويجعلوها على شكل بلاطة قليلة السماكة  حتى يمكن نقلها على ظهر جمل الى ( مرفا )  صور" ، من حيث يتم شحنها  من هناك على متن بارجة فرنسية كانت قد وضعتها الدولة الفرنسي بتصرف " بعثة فينيقيا " تمهيدا لنقلها الى متحف اللوفر - باريس. يتابع رينان الرواية فيؤكد ان ابناء عين ابل  " قاموا بمهارة  نادرة بتنفيذ تلك العمليتين - ( الفصل وتقليص السماكة) بالرغم من انهما  شاقتان جدا . وهذا الاثر هو الان في اللوفر حيث يشكل ، على ما اظن ، اغرب نموذج  في حوزتنا حتى اليوم ، حول العبادات ( الوثنية ) السورية " .  لعل كتابة اسم عين ابل  هكذا ( عينبل ) والاشارة الى كونها قرب صور حمل  بعض الباحثين الى الوقوع في الالتباس بين  عين ابل عينبل وعينبعال الواقعة بالفعل قرب صور. غير ان  الاشارة في النص الى محازاة شلعبون والدوير وتحديد هوية  أبناء عين أبل المسيحية أزالت  كل لبس حول  مصدر اللوحة الحقيقي.
وضع للوحة الدوير رسم خاص تحت الرقم : (Planche LVII,figure 3) في المجلد الذي خصصته البعثة لمجموع اللوحات التي تم العثور عليها خلال عمليات التنقيب  في " بعثة فينيقيا" . اما مقاييس  التحفة كما وجدت في متحف اللوفر فهي 110 سنتم ارتفاعا ، و 117 عرضا و7  سماكة. غير انها كانت اكثر من ذلك عندما عثر عليها في الدوير. يبدو انه قد تم ترتيب  حجمها مرة اخرى في اللوفر  لتثبت على ما انتهت عليه  حاليا من حيث الشكل والحجم بالأضافة الى الركيزة  المعدنية التي تقوم عليها كما يشاهد في الصورة.

3- 2- الرسم والكتابة
----------------------
الرسم الذي تحمله بلاطة الدويرهو كناية عن شكل هندسي مستطيل تتوزع خطوطه توزيعا  متناسقا ومتوازيا - symétrique-  بين مستويين عموديا وافقيا .
في المستوى الاعلى الافقي الايمن  رسم نصفي  لقامة الالهة ارتميس او ديانا تكلل رأسها هالة  تمثل كوكب القمر. تظهر وهي  رافعة بيدها اليسرى مشعلا  ، اشارة الى دورها  منيرة  وحامية  للنساء الفتيات وبخاصة الحاملات منهن ، بالاضافة الى دور آخر لها كالهة للصيد،  باعتبار النشاط الزراعي الى جانب الصيد هوالأبرز والمصدر الرئيسي من مصادر العيش في المنطقة. تقف أرتميس وراء ثور ضخم الجثة يقف بدوره على ثلاث قوائم فيما تشير الامامية منها ،  من جهة الناظر اليها، الى  حالة من الحركة، دليلا على الحيوية التي يتمتع بها. تعبرعن تلك الحركة  تعبيرا واضحا وملفتا عينا الثور المحدقتان الى الناظر .  
في  المقابل ومن الجهة اليسرى يقف الاله أبولون ، كبير مجمع الالهة في الميثولوجيات المتنوعة، الرديف أو المساوي لزفس وجوبيتر والبعل ،  في مشهد نصفي ، فيما تظهر  حول رأسه  شعلة من كوكب الشمس ، في مقابل هالة القمر المحيطة برأس ارتميس . بيده اليمنى صولجان السلطة الملوكية . يرتدي  كما ترتدي ارتميس عباءة  مثبتة فوق كل كتف بكتلتين مستديرتين . أمامه  يقف ثور شبيه بثور الجهة اليمنى شكلا وحركة ، مع فارق الزخرفة  التي تزين الدائرة المكوّنة من التفافة ذنب كل من الثورين باتجاه الظهر. داخل دائرة ذنب الثورالايمن رسم شعلة  لولبية وكوكبية ، وداخل دائرة ذنب الثور الايسر رسم وردة . وراء هذين الشكلين يقرأ بعض مفسري  الرموز الميثولوجية علامات فلكية - Cosmique Astrale - .في قراءة اعمق واكثر تجريدية لمعاني ورموز اللوحة ، يرى البعض لا رسما لأبولون وارتميس بحد ذاتهما  فقط ، بل ايقونة لتكريم الشمس والقمر، وذلك بالنظر اليهما كعنصرين  من عناصر الطبيعة والعبادات المتصلة بالكوكبين الكبيرين بين الكواكب ( الشمس والقمر) ، في اطار الحضارات التي نشأت و تعاقبت في مناطق الشرق الاوسط ، في ما بين النهرين - Mesopotamia  - وبلاد كنعان على طول سواحل البحر المتوسط  ومناطقها الداخلية .

- اما العنصرالمركزي  الذي يتوسط اللوحة ، شجرة النخيل ، ويحتل  موقع الصدارة من الرسم المحفور في الصخر ، فانه يشكل ايقونية مركزية ،  ورمزا من رموز بلاد كنعان . هذه التسمية  ( كنعان )  ترجمها  اليونانيون الى " Phonics"، وعنهم انتشرت وساد تداولها  حتى اليوم  . اللفظة تحمل اكثر من دلالة واحدة .
أ- تعني النخيل ، اولا . كان منظر شجر النخيل اول ما يلفت نظر اليونانيين عندما تطل عليهم شواطئ كنعان في الجهة الشرقية للبحر المتوسط . لذل اطلقوا عليها تسمية بلاد النخيل . والنخيل شجر مقدس في قواميس العربية القديمة .
ب - تعني اللفظة اللون النحاسي ، نظرا للون بشرة بحارة بلاد كنعان .
ج-  تعني لون البرفير ( الارجوان ) المستوحى من لون مادة  لزجة كان يستخرجها أبناء صور من صدف البحر ، وبها يصبغون الاقمشة الفاخرة  الخاصة بالاباطرة والملوك. اللون الارجواني هو عينه لا يزال كرادلة الكنيسة الكاثوليكية ، امراؤها ، يعتمدونه الى اليوم . –
د- تعني اللفظة ايضا طائر الفينيق الاسطوري الذي له مع كل زمن جديد   قيامة وحياة جديدة.

-  رسم شجرة النخيل كان  ينقش على موازين  ( et mesures poids )  حاضرة صور في العصر الروماني . لا غرابة ان تحتل النخلة مركز الرسم المنقوش في لوحة الدوير ، لأنها شجرة مقدسة  لها من ارتفاعها   بين  ثوري البقر اكثر من دلالة على  معاني الخصب والعطاء  والخلود.وهي كشجرة الارز بالنسبة لجبال لبنان غنية بالمعاني .
إن مشهد  النخلة وهي محاطة بزوج من الثيران يعود في الفنون  العبادية الى زمن قديم من الألف الثاني قبل المسيح .
الى ذلك تجدر الملاحظة الى أن  النخلة المنقوشة  في الصخرة هي هرمية الشكل  ، تجانسا ربما مع  هرم النصب التذكاري الذي تزدان به قاعدته، فيما تظهر بارزة  آثار اصول  سعف النخيل  المقطوعة من الجزع من أسفل الى أعلى  دلالة على مرور الزمن ، تاركة مكانها أشكالا شبيهة بقشور السمك . ومن اعلى النخلة  يتدلى عنقودان  ( قطفان ) من عناقيد البلح  ، بما  يوحي بالمنظر التقليدي والوطني ، ان صح التعبير ، الذي انطلق منه اليونانيون ليطلقوا على سكان المنطقة  اسم  "فينيقي" أي  اهل  النخيل ، كما بينّا في المقطع السابق  .

راجع:
 Catalogue : Annie Caubert et Elizabeth Fontan et Eric Gubel Art cf phénicien : La sculpture de tradition phénicienne, Musée du Louvre, Département des Antiquités Orientales, RMN, Paris, 2002,Snoek,Gand 2002,page 125,

3 - 3-   الكتابة : تحمل اللوحة ، التي كانت تزين قاعدة  النصب التذكاري الهرمي الشكل في محيط هيكل ابولون فوق تلة الدوير ، كتابة  منقوشة  باللغة اليونانية ، وذلك تخليدا لذكرى اشخاص وجهاء مرموقين  في محيطهم عاشوا  في المرحلة الزمنية المتراوحة بين  تاريخين حسب مراجع رينان ومتحف اللوفر.( ١٩٥ و ٢٩٥ م . ) .
 تأرجحت  نتائج الباحثين ( وخصوصا ارنست رينان  و كاتولوغ  اريك غوبل وآخرين  ومتحف اللوفر ) في تحديد اي هذين التاريخين هوالاقرب الى الحقيقة . يلاحظ ان الكتابة التي حفرت في لوحة الدوير تقسم الى قسمين . قسم يقع في الاطار الاعلى للوحة والآخر  في  المساحة  المنبسطة بين  جانبي الشجرة .
الكتابة العليا وجد  الباحث الفرنسي صعوبة في قراءتها كاملة ، الا انه بعد جهد  انتهى هو وغيره من الباحثين في متحف اللوفر الى الصيغة التالية :  " الى  الأله  ابولون .... مثال ابن  سلمان ، وكيل هيراقليط  قائد الفرقة السادسة  ، قدّم   المدخل  ،  إتماما  لنذر ، من أجل  خلاص أبنائه  "
وفي الكتابة الثانية  على جانبي رسم النخلة : " سنة  321 في 16 من شهر  بانيموس " ، حسب التقويم السنوي الصوري . هذه القراءة الحديثة لكتابة الدوير كان قد سبقتها قراءة من قبل رينان  منذ الطبعة الاولى لكتابه  " بعثة فينيقيا. يذكر فيها  : "سلمان وهيراقليط هما الابنان  اللذان يبدو ان  النصب التذكاري قد وضع من أجلهما "  ( من صفحة 675 الى 680) . وفي رأي آخر مكمل أن " واهب التذكار هو ابن وكيل قائد جيش فراتا ، المقيم في المنطقة المحازية في فلسطين في كفرقطنة من الجليل .وهو الذي قدم مدخل او بوابة المعبد الريفي في الدوير " .
وسط بقايا هذ ه البوابة طلب رينان قطع منحوتة اللوفر " .( المرجع السابق )
ولكن الباحث  تردد  في  تحديد ما يقابل تاريخ  هذا الاثر  بين كل من حسابات التقويم الصوري والتقويم الانطاكي والتقويم الميلادي . لذلك جعله مرة في 195 ميلادية ومرة في 295 . ولكن مهما يكن من امر هذه المقابلة  يبقى ان كلا من التاريخين  المشار اليهما يشكلان محطات  ذات شأن بالنسبة  لتاريخ المسيحية  في جنوب لبنان ، كما نحاول ان نبيّن . 

4- في متحف اللوفر : وضعت لوحة الدوير في متحف اللوفر منذ وصولها الى فرنسا  على ظهر بارجة  كولبير حوالى نهاية العام 1861 ، واستقرت في جناح الاثار الشرقية  في صالة دينون، تحت رقم  ووصف :
راجع:
" Mission de Phénicie, 1860- 1861. Département des Antiquités , Référence 4877.
Description : Relief représentant Apollon et Artémis. 295 après J.C. ( 421 de l'ère de Tyr),
Dueir pres de Tyr,Liban, Calcaire »

مقاييس التحفة كما وجدت في متحف اللوفر هي : 110 سنتم ارتفاعا ، و 117 عرضا و7  سماكة. غير انها كانت اكثر من ذلك عندما عثر عليها في الدوير،  قبل أن يتم ترتيب  حجمها مرة اخرى في اللوفر  ، لتثبت على ما هي عليه  حاليا من حيث الشكل والحجم بالأضافة الى الركيزة  المعدنية التي تقوم عليها .


5-1 هيكل الدوير  في اي اطار تاريخي  وما هي علاقته  بالمسيحية ؟
التاريخان اللذان يحددهما  رينان او غيره من الباحثين كتاريخ  للكتابة  اليونانية المحفورة على بلاطة الدوير 195 و295  م.  يشكلان ، بغض النظر عن أيهما أصح ، محطتين ذات شأن كبير بالنسبة لتاريخ جنوب لبنان وبخاصة المسيحية  المتنامية فيه  يومذاك ،  من خلال تأثيرها الديني والاجتماعي ، الفكري والفني ، ولا سيما  في مدينة صور وضواحيها حيث  نشأت جماعة  ناشطة ومؤثرة قدمت  في سنة  198 م. ، أي بعد  ثلاث سنوات من  تاريخ  بلاطة الدوير فقط ،  شهيدة - كريستينا الصورية – وهي من أبرز شهداء صور الخمسماية ( الذين تحيي الكنيسة المارونية ذكراهم في 19 شباط من كل سنة ). كان ذلك  في عهد مطران صور "كاسيوس" الذي يسجل لنا التاريخ  عنه حضوره مجمعا كنسيا  في فلسطين للبحث في تحديد عيد الفصح .
 يشكل تاريخ  سنة 195   محطة انتقالية من حكم السلالة الانطونية  وآخرها كومود  الى السلالة الساويروسية ، واولها سبتيموس ساويروس  ذو الأصل والهوى الشرقيين . وقد  امتد نفوذها الى حوالي سنة 250  ، بعد ان عرفت  روما مع هذه السلالة  أهم حقبة من حقبات تاريخها لجهة العمران والتقلبات السياسية . ولا سيما  انها أحيت في هذه  المرحلة  الاحتفالات بمرور الف سنة على تأسيها. انتهى التأثير الفينقي السوري  ( بالمعنى الواسع الحضاري للكلمة  لا السياسي  والجغرافي الحالي  )،  بحكم فيليبوس العربي الأب والأبن  وهما تحديدا من  بصرى الشام ، فيليبوبوليس . وقد  اعتبر فيليبوس الاب   اول من ادخل النفوذ المسيحي الى الدولة الرومانية . ويرجح انه اعتنق المسيحية ، كما يؤكد ذلك معاصره المؤرخ اوسابيوس القيصري  ،  الامر الذي أثار ضده ( فيليبوس ) معارضة  داخل صفوف الجيش الروماني  تجددت معها  موجات من الاضطهاد استهدفت  المسيحيين في جميع انحاء الامبراطورية،  وكان اشدها  ما  جرى  في عهد ديوقليسيانوس بين 284 و311 ،  الى ان  ظهر قسطنطين الكبير عام 312  الذي اوقف الاضطهاد واطلق حرية العبادة عام 313 من خلال اعلان ميلانو .  بعد هذا التاريخ بدأت الدولة الرومانية تتحول تدريجا من نظامها الوثني الى المسيحية .
 في عهد قسطنطين  تستوقفنا أربعة احداث ذات صلة بلوحة ابولون وارتميس  تستحق الذكر : - تجديد بناء كنيسة صور  316-323، على يد اسقفها باولينوس ، - مجيء والدة الأمبراطور ، القديسة هيلانة ،  الى الشرق حيث عملت على ترميم الكنائس المهدمة وبناء كنائس جديدة منها كنيسة القيامة والمهد وربما كنيسة سيدة المنطرة في مغدوشة - إعلان يوم الأحد  يوم عطلة عام 320 ، تكريما ل " الإله الشمس" ، من دون تحديد اذا ما كان المقصود به "ابولون" او ا"لسيد المسيح"  ، لأن مسيحية قسطنطين بقيت ملتبسة وغامضة حتى اقتباله سر المعمودية في السنة الرابعة قبل وفاته
 - اجراء تعديل  على التقسيمات الادارية  في الأقاليم الفينيقية عام 330 ، يلفتنا فيه  تأسيسه مقاطعة  جديدة تقع  شرقي فينقيا الساحلية  التي عاصمتها صور ، اطلق عليها  اسم :
"Provincia Arabia Augusta Libanensis"
ولكن هذا الاجراء  لم يدم مفعوله طويلا اذ  ان  كونستانس  ، خليفة قسطنطين ،  أبطله واعاد الحاق "المقاطعة العربية اللبنانية  العظمى" بالعاصمة  صور . (راجع : صور حاضرة فينيقية  ، معن عرب ، دار المشرق – بيروت 1986 ، صفحة  86) .

5-2 الانتقال التدريجي من تكريم ابولون الشمس الى المسيح الشمس:
 ذكرنا ان الفرضية الثانية  لتاريخ أنشاء لوحة الدوير ، بحسب رينان  ومعطيات متحف اللوفر على الأقل،  هي سنة 295. شكلت  هذه السنة  والسنوات التي تلتها حتى  312 زمنا مفصليا  في تاريخ الامبراطورية الرومانية، تميز ببروز  عائلة قسطنطين  فوق المسرح السياسي والعسكري، وبتفردها بشكل معين من العبادة والمعتقد جمعا بين الوثنية والمسيحية  معا ، وذلك من خلال  اعتقاد ساد لدى افرادها  بأنها  هي من يملك  الايمان الصحيح ، الأيمان بالأله الشمس :
 "Deus Sol-  SOL INVICTUS "
، الأله الشمس  الذي لا يُغلب ، الممثل بأبولون والذي حل مكانه  "المسيح  الشمس"  أو النور ، في العقيدة المسيحية  ، كما سنرى .
النور هو الصفة التي اثبتتها صيغة " قانون الايمان  "  : " نؤمن باله واحد ضابط الكل .... .اله من اله ، نور من نور" ، خلال  مجمع نيقيا الذي دعا اليه ونظمه الملك قسطنطين بنفسه. وتبعه مجمع اقليمي عقد في صور تحت رعاية الامبراطور نفسه  سنة ٣٣٥. 
تأكيدا على هذا  المبدأ  المعتقدي (الشمس والنور ) في النهج القسطنطيني ( الذي مزج بين الوثنية والمسيحية ) بهدف تحقيق الوحدة وتوطيد السلام في الدولة ، نورد  ما قاله أحد بعض الباحثين في تاريخ بداية المسيحية في معرض الحديث عن تكريم العائلة القسطنطينية ل "الأله الشمس" ، الصفة التي باتت  تطلق على السيد المسيح  بعد ان كانت تطلق على أبولون:

Ainsi la "paix constantinienne ", selon l'expression consacrée, est plus qu'un retour a la liberté, c'est une reconnaissance officielle de l'Eglise : elle est désormais favorisée et privilégiée, voire unie a l'Etat par des liens aussi forts que ceux qui unissent celui-ci aux vieux cultes de l'ancienne Rome et a la nouvelle religion solaire proclamée par Aurélien (qui en 270-275 ,fit construire à Rome le Temple du Soleil, magnifiquement orné par le butin rapporté de Palmyre, et desservi par un clergé spécial. En effet en  273, AURELIEN vaincra ZENOBIE, reine de Palmyre, et la cité du désert sera pillée).
La transition a précisément été facilitée par cette dévotion au Soleil, affichée déjà dans la famille de Constantin et par l'assimilation du Dieu chrétien au SOL INVICTUS.
Ainsi quand une loi de Constantin en 320 prescrit de chômer le dimanche, elle l'appelle DIES Solis , et non » le jour du Seigneur ».Bien d'autres lois manifestent , au moins implicitement ,la conversion du prince ,qui entrainait celle de l'Etat lui-même :les principes de la morale chrétienne inspirent maintenant le droit romain «. ( cf :  Le Christianisme Antique, par M.Meslin et J.R Palanque, Collection U2,Armand Colin, Paris 1967, page 60)

اذا كانت لوحة الدوير قد انشئت في هذا الأطار التاريخي العام ، حيث انطلقت فكرة توحيد الدولة تحت  عنوان "الأله الشمس الذي لا يُقهر  " ، فليس مستبعدا إذا  أن يعود رسم كوكب الشمس ، الظاهر على يمين اللوحة ، المحيط برأس أبولون الذي يمسك في يده اليمنى بصولجان السلطة ، ورسم شلعبون ، شعار قسطنطين ، المدرج في جدار كنيسة السيدة في عين إبل الى  مصدر واحد ، على انهما عنصران من منظومة  واحدة . منظومة  سيطر على  بعض جوانبها  الطابع المزجي، سنكريتيسم Syncretism ،
 الذي استغله بعض الحكام  ( أوريليانوس وقسطنطين ) بأسلوب ديماغوجي ، كل حسب مفهومه الخاص، من اجل توطيد نفوذه في المجتمع  الروماني المتعدد الدين والثقافة والعرق . 

من هنا بدا ان قسطنطين  المعروف بطباعه القاسية ، والبعيد عن الأخلاق المسيحية في اول عهده ، قد برع  في انتهاز فرصة الالتحاق بالقوة المسيحية الصاعدة ، لكي يطرح نفسه قائدا مقبولا من الجميع، وثنيين ومسيحيين، عندما جاهر بمسيحيته ولكن من دون  أن يذهب الى نهاية الانتماء اليها عندما بقي طويلا على موقفه المتأبي من تقبل سر المعمودية ، ليظل على مسافة واحدة من الجميع ، متمسكا   في معتقده الديني والوطني بولاء مطلق ل"اله الشمس"  الذي يمكن فهمه  موجها إما لأبولون ، بالنسبة للوثنيين ،  وأما للمسيح بالنسبة  للمسيحيي. 
نكتفي بهذا عن الاطار التاريخي الذي يمكن التوسع فيه....

- في  خلاصة هذا العرض  يمكن  القول : إن  تحفة الدوير ، ابولون وارتميس ، هي من اثار معبد فينيقي روماني  يعود الى  ما بين 195 و295  م. ويمكن ان تمتد الشريحة الزمنية الى  حوالى سنة ٣٣٠ .  وهو معبد  من معابد المرحلة الانتقالية في المجتمع الروماني من الوثنية الى المسيحية  ، حين  باتت هذه الديانة الجديدة تشكل ديانة الاكثرية من  سكان الدولة الرومانية .
 كان هيكل الدوير في تلك الظروف احد المعابد العديدة المنتشرة في  معظم المناطق اللبنانية ساحلا وجبلا  ، ومن جملة المعابد  المكرسة للبعل ، ابولون  ، اله النور  والخصب الذي يحظى بقسم كبير من الاناشيد الميثولوجية: 
ابولون  يقيم على الجبال ،  شقيق عنات  ، الملقبة  ب "العذراء" ، "ندى السماء"  ، "شفيعة الحقول والمزروعات" .
( راجع: لبنان من الوثنية الى المسيحية ، صفحة  22-24،  ناصر الجميل ، بيروت 2000).
- وقبل الختام لا بد من الاشارة الى  ان من حق ابن عين ابل اليوم ان يقرا  في مشروع "معبد سيدة ام النور"  عند مدخل عين إبل الشمالي ، كما في  "نشيد النور" في بداية القداس الماروني  صدى لتلك النزعة  الايمانية  الكامنة في عمق الوجدان الشعبي المتواصل في التراث منذ القديم  ، نحو تمجيد النور الذي ينبوعه المسيح  ،" نور الحق الذي ينير كل إنسان " (يوحنا : 1:9) : حسبما ورد في الانجيل ،
- أو كما جاء في قانون مجمع نيقيا الذي اشرنا اليه وقد رعاه الامبراطور قسطنطين بنفسه ، عام 325 ،وكان له ملحق عقد في مدينة صور عام 335،  : " اله من اله ، نور من نور " ،
  -او في نشيد الصباح في بداية القداس الماروني :
بنورك ربنا يسوع ، نستنير
يا عين الانوار ،
يا ذات النور الحقيقي ،
يا شمس الأقطار ،
أهلنا لنورك  المضيء،
وفي صباحك البهج نستضيء.

- او في نشيد المساء الذي تتناقله  الاجيال منذ عصر المماليك ( الرابع عشر ) والذي مطلعه: 
 "حطيت راسي عا فراشي"
"صدقت يا ام النور  يا ام الشمع والبخور
صدقت يا ست الستات انت شمس السموات
انت عمود النور انت يا عطر البخور
خليني شمعة طولك تا يفيض علي نور. 

ان موضوع النور  ( المشعل ، والكواكب )   والخصوبة  والانتاج ( الثوران ) ، والصيد ، والعمل الفني والزراعي  (النخلة ) ، والعبادة  ، والانتماء ، وسواها من المواضيع التي تنطوي عليها  لوحة الدوير ،  هي من ابرز المواضيع التي يدور حولها التراث. 

من الجميل ان نستذكر هذا التراث  ونلقي الضوء عليه  ، ولكن من  الاجمل والاجدر بنا  أن نعرف كيف نحفاظ عليه ونترجمه أفعالا في مسار حياتنا  اليومية ومجرى تاريخنا  ، لكي نحقق بذلك  التواصل ما بين ماضي  الحياة بحاضرها الراهن ،  والمطل بأمل ورجاء في آن  على المستقبل الآتي ،
 مرددين  مع أحد الفلاسفة  بقوله :
"ليس  المستقبل الا للشعوب التي تكون قد عرفت كيف تقدم لأجيالها الصاعدة اسباب الأمل والرجاء" .  

mardi 14 mai 2013

الارض والتراث والهوية في الوجدان الماروني

الارض والتراث والهوية - خلاصة  ما ورد في رؤية  المجمع البطريركي الماروني ومقرراته (٢٠٠٤-٢٠٠٦)
حول الارض في مفهومها اللاهوتي والانساني والانمائي  ، وما اقترح من حلول لمواجهة المعضلات الراهنة المطروحة.      
Objet: الارض والتراث والهوية .


الارض والتراث والهوية . 

يعلّم  المجمع البطريركي  المارونيّ ( ٢٠٠٤-٢٠٠٦)  ان للأرض قيمة ثمينة  يجب الحفاظ عليها لانها  كالأم  التي منها منبتنا  ." انت تراب والى التراب تعود" . انها الوديعة الثمينة والمقدسة التي يجب ردها الى اصحابها من خلال  الاجيال الجديدة ، لا التصرف بها كسلعة تجارية . من هنا ضرورة  الوعي بعمق لتلك الحقيقة والتمسك بها. الارض  التي عاش عليها الآباء والأجداد انتقلت  منهم  إلينا إرثًا ماديًّا وروحيًّا. ولكن  هذا الإرث الذي تكوّنت من خلاله وعليه هويتنا معرّض اليوم إلى الضياع بسبب عوامل عديدة. وهذا ما يعرّض الهويّة  نفسها إلى الخلل وفقدان التمايز التاريخيّ والروحيّ.
ماذا ينفعنا اذا  ربحنا العالم كلّه وخسرنا  الأرض التي تكوّنت فيها هويّتنا  التاريخيّة ؟  حتى ولو  احرز المغتربون  اعلى مراتب التقدّم والرقيّ والبحبوحة والحريّة، في بلاد الله الواسعة بعد موجات الهجرات المتتالية في القرنين الماضيين وأسهموا  في نموّ الأرض التي يقيمون  عليها في اقطار العالم  ،فإنهم  يظلون بحاجة إلى الأرض التي انبتتهم لإنها تجسّد هويّتهم الخاصّة وتربطهم بتاريخهم العريق المجبول بالصراع  من أجل البقاء ، والمطبوع  بالقيم  الإنسانيّة التي تكوّنت لديهم عبر تاريخ طويل.
لذلك في معرض البحث في العلاقة ما بين الارض والهوية والتراث وهي حلقات ثلاث مترابطة ومتكاملة نتوقّف على ما يلي : 
أ- الثوابت  التي تؤكّد العلاقة بالأرض وضرورة الحفاظ عليها،
ب- الواقع الحاليّ وما يثير من قلق ومخاوف، ما يدعو  الى ضرورة التفكير بوضع  إستراتيجيّة  للحفاظ على الأرض وحسن استثمارها.
ج- - علاقة المغتربين بأرضهم الجديدة وأرض المنشأ ، واسهامهم بالحفاظ على هذه الأرض لتبقى  لهم مرجعًا ثابتا  لتمايزهم الحضاريّ والإنسانيّ والدينيّ.

أوّلاً: الثوابت الإيمانيّة واللاهوتيّة : الانسان في الكتاب المقدس  هو ابن الأرض منها جُبل، وهي بالتالي أمّه وإليها يعود. خُلق ليحرث الأرض ويستثمرها ويمارس سلطته على كلّ ما عليها. وبعرق جبينه يأكل خبزه .
في الانجيل بيّن  السيد المسيح في تطويباته عمق علاقة الانسان المسالم والوديع بالأرض عندما قال : "طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض". هو  نفسه عاش تلك  الوداعة  وذلك التواضع في وطنه الارضي بين فلسطين  ولبنان ، وقد اصبحت هي  الارض المقدسة ، وبخاصة لبنان الذي وصف بأنه وطن رسالة السلام والعيش المشترك . فلا يجوز التخلي عنه كقيمة انسانية وحضارية حتى ولو تخلى عنها الكثيرون ، بما يزرعون فيه من اشكال العنف  والتعصب والانغلاق .  

ثانيًا: الثوابت الوجدانيّة والإنسانيّة
الأرض في المفهوم المسيحي ليست ملكًا نتصرّف به على هوانا، بل هي إرثٌ انتهى الينا من الآباء والأجداد. ارث هو أشبه بوديعة ثمينة أو "ذخيرة مقدّسة"  تصلنا بالخالق بقدر ما تصلنا  بالأجيال السابقة التي تركت  فيها بصمات لا تمحى من التعب والدم  . فالعلاقة التي تربطنا بالأرض-الإرث هي علاقة نفسية وروحيّة، وبالتالي فإن ما يعطينا اياه ترابها وماؤها وهواؤها هو أكثر بكثير من الثمار والمواسم الماديّة. فمن خلال هذه العلاقة، نؤكّد هويّتنا الخاصّة ونتواصل مع تاريخنا. أرضنا هي  ذاكرتنا الحيّة وهي، في الوقت نفسه، مدرستنا  التي فيها نتعلم القيم والفضائل : الصبر والرجاء والقناعة والوداعة والصدق والإخلاص والكرم والعطاء والثبات والجرأة. والذين تركوها لاسباب قاهرة لا بد انهم يحنّون إليها وإلى ما تمثّل من قيمٍ عريقة.  لذلك لا بد من العمل لايجاد السياسات  الملائمة لابقائهم على صلة بارض اجدادهم وبهويتهم. 

ثالثًا: ثوابت تاريخيّة
- الأرض هي مكوّنة الهوية  التاريخيّة والاجتماعيّة والسياسيّة بالنسبة لنا. إرتبط تاريخنا بلبنان أرضًا ووطنًا، من دون التنكر  لجغرافيّة نشأتنا  وانتشارنا  القديم والحديث .
- "الأرض هي الوطن والكيان، وقيمتها هي بما تجسّده من قيم وخبرة وبُعد حضاريّ ووجوديّ" .
- "الأرض قيمة إيمانيّة عند المسيحيّين عامّة وعند الموارنة بخاصّة، نابعة من إيمانهم بالتجسّد. وذاكرتهم الجماعيّة تدرك أهميّة التراكم الحضاريّ والتاريخيّ على أرضهم. " فالأرض، في نظرهم، إرث لا سلعة يجوز تداولها في سوق التجارة  ، أو ملكًا للتصّرف به وفق هوانا. من هنا كان همّهم تسليم الأرض – الأمانة كاملةً إلى الأجيال الآتية من بعدهم من دون تبديد أو استبدال: "معاذ الله أن أبيعك ميراث آبائي".يقول النابوتي في الكتاب المقدس. ويردد اللبناني : ارضي ليست للبيع .  من  ايضا هنا مبدأ "وقفيّات" العائلات  وما يعرف بالوقف الذُرّي. فالحفاظ على الأرض هو حفاظ على الهويّة، والحفاظ على الهويّة حفاظ على الكيان والديمومة." 

- الكنيسة  والأرض أمس واليوم
ابناء لبنان  قدّسوا الأرض وتقدّسوا بها. إستعاروا منها التشابيه وأدخلوها في صلواتهم، كما وضعوا أعيادًا "زراعيّة" مثل عيد سيّدة الزروع وعيد سيّدة الحصاد. كانوا يقبلون على العمل  في الأرض من  دون تفرقة بطاركة وأساقفة ورهبان وعلمانيّين. فالأرض، في ما يختصّ بهم، مدرسة حياة وروحانيّةٍ، ينشّئون الشباب عليها. وقد عمدوا في زمن الاقطاع  إلى نظام الشراكة من أجل استثمار أراضيهم  ومن أجل حثّ  الذين لا يملكون أرضًا على العمل في الأرض. هذه الشراكة أدّت تاريخيًّا إلى تأسيس قرى جديدة  في مختلف المناطق  اللبنانية دون تمييز بين طوائف او مذاهب قاطنيها .

 رابعًا: ثوابت بيئيّة
- من الناحية الوجدانيّة والروحيّة
لقد أحبّ اللبناني  الأرض التي أُخذ منها، فسقاها من دمه وعرقه دفاعًا عنها واعتناءً بها. أكرمها وتغنى  بها وحافظ عليها، لأنّها هي أمّ كلّ حيّ: "أنت من التراب وإلى التراب تعود" (تك 3/19) . وهي مقدّسة لأنّها تضّم رفات الآباء والأجداد والشهداء والقدّيسين.

- من الناحية العمرانيّة والتراثيّة
 لقد ترك لنا الاجداد في  العصور السابقة تراثًا عمرانيًّا نابعًا من علاقتهم بالأرض وبالبيئة الطبيعيّة. هذا التراث، على بساطته، يكوّن غنىً حضاريًّا لا يستهان به. ولكن، بسبب التطوّر المعماريّ الحديث، أُهمل القديم وكدنا نفقد معالم هامّة من تاريخنا وحضارتنا. لذلك لا بد من إعادة الإعتبار إلى العمارة التراثيّة، والعودة  إلى المعطيات القديمة في الفنِّ والهندسة وتطويرها لتتجاوب مع حاجات العصر.

الفصل الثاني : الأرض واقع ومرتجى
بعدما توقّفنا في القسم الأوّل على الثوابت، نتناول الآن الواقع الراهن، كما نحاول أن نكوّن رؤيا مستقبليّة للحدّ من سلبيّات هذا الواقع وتطوير ما فيه من إيجابيات. فلعلنا نسهم مساهمة فعّالة، لا بعرض السلبيات  والتشكّي مما وصلنا إليه وحسب، بل أيضًا بتكوين نظرة جديدة إلى الأرض تتطابق مع الثوابت الإيمانيّة والتاريخيّة، وتتبنّى خطّة عمليّة للحفاظ عليها وحسن استغلالها، فتحفظ للأجيال القادمة حظوظًا للبقاء والاستمراريّة، وللنموّ نموًّا سليمًا متوازنًا، وللعيش بكرامة في ميراث الآباء والأجداد.

أوّلاً: الواقع الراهن  : ينظر اللبناني اليوم بكثير من القلق إلى ما تناهت إليه أوضاع الأرض . وهذا القلق يتزايد يومًا بعد يوم بفعل الحرب والتهجير، والنزوح  الى المدينة والهجرة البعيدة الى دنيا الاغتراب. والاغراءات المادية من قبل الاغنياء والشركات العقارية الاجنبية والمحلية من اجل بيع الاراضي  الى افراد وجهات مغفلة . الامر الذي  يدعو إلى التساؤل عن الوجود المسيحيّ في لبنان والشرق . 
تشير الإحصاءات اليوم الى أنّ مسيحيّي لبنان قد فقدوا في العقود  الأخيرة قسمًا كبيرًا من أراضيهم. وهناك مناطق أصبحت شبه خالية من الوجود المسيحيّ الفاعل، وقد بيعت أجزاء كبيرة منها إلى غير المسيحيين من لبنانييّن وغير لبنانييّن. كما أنّ الإقبال على شراء أراضٍ، في المناطق المسيحيّة، من قِبَل غير المسيحيّين والأغراب، يتصاعد  يومًا بعد يوم. فالأرض تكاد تتحوّل من إرثٍ مقدّس ورزق أنعم به الله على الإنسان، إلى سلعةٍ تجاريّة، طمعًا بالربح السريع. 
 وهل يُعقل أن يتخلّى المسيحيون  في لبنان والشرق عن أرضهم وحضارتهم وعن رسالتهم ؟ 

ثانيًا: استراتيجيّة تنمويّة شاملة للحفاظ على الأرض
هذه الاستراتيجيّة التنمويّة الشاملة تنطلق من الواقع الراهن الذي أشرنا إليه سابقًا. إذ ينبغي الأخذ بالإعتبار المؤثّرات السلبيّة التي أدّت إلى إهمال الأرض وهجرها وبيعها. إنّ المجتمع اللبناني تحوّل بسرعة، في النصف الثاني من القرن المنصرم، من مجتمع زراعيّ إلى مجتمع خدماتيّ. ولم تعد الزراعة التقليديّة كافية لمواكبة مسيرة العلم والتطوّر الاجتماعيّ والانفتاح العالميّ. والدولة، بدل من أن تهتمّ بالمزارع وتدعمه ليبقى في بيئته الطبيعيّة وليواكب من حيث هو،  أهملته بغيابها عن المناطق الريفيّة وعدم عنايتها بالزراعة وتوفير الطرق الحديثة لتسهيل العمل وزيادة الإنتاج وتنويعه مع الإهتمام بإيجاد الأسواق الخارجيّة لتشجيع التصدير. لقد ترك المزارع وشأنه من دون أيّ دعم أو توجيه. لذلك راح يفتّش عن وظائف وخدمات تؤمّن له مدخولاً ثابتًا وضمانات تعليميّة واستشفائيّة له ولابنائه. لذا ينبغي أن تتضافر جميع القوى: الدولة والكنيسة والمؤسّسات، لوضع الخطط من اجل وقف عمليات بيع الاراضي . ولعلّ الأمور التالية هي أهمّ ما ينبغي أن يتمّ التركيز عليه :
1. واجبات الدولة : وعيها لأهميّة الأرض والالتزام  بالمحافظة عليها ، ومساعدة المزارعين على حسن استغلالها. العمل  على عدم بيعها من الغرباء بتطبيق قانون تملّك الأجانب تطبيقًا سليمًا، ووضع حد للمضاربات العقاريّة الفوضويّة التي طبعت العقود الأخيرة، وأدّت، في بعض المناطق، إلى تحوّل فاضح لملكيّة الأرض من طائفة إلى طائفة أخرى. 
- على الدولة توجيه الإنتاج الزراعيّ المحلّي والعمل على حمايته  من المضاربة الخارجيّة ، وأن تؤمّن إمكانيّة تصدير الفائض منه إلى الأسواق الخارجيّة.
٢- واجبات  القيادات  المسيحية الروحية والسياسية : العمل  على تحريك  إدارات الدولة وتفعيلها  كما ينبغي. واتخاذهم  المبادرات الممكنة، لإقامة تعاونيّات زراعيّة فعّالة تؤدّي إلى تشجيع المزارعين والشباب بنوع خاصّ على العودة إلى الريف ، واستغلال أرضهم بطريقة جديدة ومجدية. هذه التعاونيّات يمكن أن تطوّر فكرة الشراكة القديمة التي كانت قائمة بين الأوقاف والأديار من جهة، والعلمانيين من جهة أخرى. على هذا الصعيد ينبغي  ان يعمد الشباب المسيحي الى  شراء أرضٍ وبيوت خاصّة بهم إنطلاقًا من مبدأ قوامه أنّه على كلّ منهم أن يكون مالكًا.
- توفير المؤسّسات التربويّة والاستشفائيّة والخدماتيّة اللازمة في المناطق الريفيّة، مع إمكانيّة إنشاء مصانع صغيرة أو محترفات مهنيّة لتوفير مجالات العمل لأبناء الريف، حتى لا يفرغ من أهله وتزدحم المدن وتُهمل الأرض.
٣-  التعاون بين الكنيسة والدولة  ضروريّ:  
- لتعديل قوانين الأوقاف وتبسيط المعاملات العقاريّة سواء للحفاظ على الأراضي أو استثمارها بطرق أفضل ممّا هي عليه -
-  لزيادة  عدد المحميّات والأحراج المصانة،
-  لتشجيع  مبادرات من أجل تحريج المناطق اللبنانيّة، كزرع غابات على اسم جاليات الانتشار المارونيّ أو على اسم جمعيّات ومنظّمات ونوادٍ محليّة - الإستفادة ممّا يفيض الله على أرضنا طوال فصل الشتاء من أمطار وثلوج، بإنشاء سدود وبرك لجمع هذه المياه وتوظيفها في خدمة الزراعة،  
- لوضع سياسة تربويّة  تهدف إلى تعريف الأجيال الجديدة على طبيعة أرضنا وغناها، وإلى  تنظيم الندوات المتعلّقة بالأرض والتراث، ووضع الكتب والمجلاّت وجميع وسائل المعرفة التي تتناول الطبيعة وتقاليد القرى، - إحياء المهرجانات الزراعيّة وحثّ الشبيبة على المشاركة فيها وفي مواسم القطاف والغلّة، هو من أنجح الوسائل للتوعية على قيمة الأرض ومحبتها.
- إنشاء صندوقٍ تعاونيّ أو شركة عقاريّة أو مصرف خاص، وبتمويل المسيحييّن الأغنياء  في لبنان وعالم الانتشار لإنقاذ العقارات المعرّضة للبيع.

الفصل الثالث : الأرض ومسيحيو  الانتشار
 إن انتشار المسيحيين الشرقيين  اليوم في أكثر أنحاء العالم يمكن اعتباره غنىً لهم وللعالم. انهم حملة تراث وقيم روحيّة وإنسانيّة، ينشرونها ويشهدون عليها حيث يحلّون.
والخبرة التاريخيّة التي عاشها الآباء والأجداد في علاقتهم بالأرض، تبقى مترسّخة في نفوس الأبناء، حتى ولو تغيّرت الظروف ، لذلك لا بد من ان يعوا هذه الحقائق  فيشهدوا  أمام ابناء البلدان التي هاجروا اليها   على غنى  التراث المسيحيّ الشرقيّ، الذي يتحدّرون منه وينتمون إليه.

ثانيًا: علاقة المغتربين ( الانتشار)  بأرض المنشأ
1. الواقع
لقد أصبح عدد المسيحيين الشرقيين  في الانتشار أضعاف ما هم عليه  من عدد  في أرض المنشأ . والجميع يعلم بأنّ الظروف التاريخيّة، التي دفعت بأعداد منهم إلى ترك أرضهم وأوطانهم، كانت ظروفًا قاهرة، نتيجةً لحروب واضطهادات وضيقٍ ماديّ. أكثرهم غادروا بلادهم في غالب الأحيان مقهورين، مضطرين إلى السفر بحثًا عن باب الرزق والعيش الحرّ الكريم في بلدان بعيدة. 
 الموجات الاولى من المغتربين  غادر افرادها أوطانهم مقهورين بسبب ظروف قاسية وظالمة. لذلك بقي حنينهم للأوطان قويًّا، وكذلك تعاطفهم مع الأهل المقيمين . ويمكن القول بأنّ عمليّة الانتشار، منذ النصف الأوّل من القرن التاسع عشر حتى أيّامنا، ما زالت قائمة ،  وما زال هذا الانتشار يتعاطف مع المقيمين فيها، وهو مستعدّ للمساهمة في إيجاد الحلول الحياتيّة لأهله في هذه الأوطان، ولكن ضمن خطط مبرمجة وقابلة للتنفيذ.
من هنا لا بدّ من تنظيم خطّة عمليّة لتشجيع المنتشرين على متابعة دعمهم لأوطان المنشأ، للحفاظ على الأرض واستغلالها وتثبيت المقيمين فيها.
وتعزيز شعور الإنتماء التراثيّ لديهم. 

الخطة المرجوّة
32. أيّ خطّة من هذا النوع ينبغي أن تنطلق أوّلاً من عمليّة إحصاءات عدديّة ونوعيّة شاملة. لذا ينبغي تأليف لجنة متخصّصة للقيام بهذه المهمّة.  والاستعانة  بالطرق العصريّة المتاحة لتأمين مثل هذه العلاقات.

أمّا في ما يختصّ بالأرض، فهناك مجال واسع لمساهمة المنتشرين في الحفاظ عليها واستغلالها. فيصار مثلاً إلى إقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم أو مدنهم الأصليّة. فيتمّ على أساسها إنشاء مشاريع تنمية، يكون فيها للمنتشرين إمكانيّة المساهمة واستملاك أراض أو بيوت لهم. كما يمكن تشجيع المنتشرين، وبنوع خاصّ الشبيبة، على القدوم إلى أوطان المنشأ وتمضية الفرص الطويلة فيها، مع برامج مدروسة لإشراكهم في مواسم زراعيّة ممكنة، كالقطاف مثلاً، وإطْلاعهم على تراثهم الفكريّ والفولكلوريّ والطقسيّ، وعلى الإمكانيّات المتوافرة حاليًّا في الجامعات المارونيّة وما يمكن أن يستفيدوا منها أو يفيدوا. ويمكن أن يكون ذلك ضمن مخيّمات صيفيّة مشتركة مع الشبيبة المقيمة، أو في ندوات تدرس إمكانيّة التواصل بين المقيمين والمنتشرين.
إن أعمالاً كهذه تؤدّي حتمًا إلى تشجيع المقيمين وإلى ترسيخ التراث الحضاريّ لدى المنتشرين، فلا تبقى العلاقة بأوطان المنشأ مستندة إلى الحنين والذكريات فحسب، بل تكتسب بعدًا آنيًّا وتعمّق عرى القربى والصداقة مع أوطانهم الأصليّة وأهلهم المقيمين فيها.
ومن الطبيعيّ أن تُسهم المؤسّسات الكنسيّة والرهبانيّات والجمعيّات الأهليّة والنوادي الاجتماعيّة في تنظيم سياحة ثقافيّة للمنتشرين، تُطلعهم من خلالها على عراقة التراث وجمال الطبيعة وتنوّعها، كما على الأماكن الأثريّة والتاريخيّة الهامّة الخاصّة بهم. .

خاتمة
33. إرتباطنا  بأرضنا ارتباط مقدّس وحيويّ، فهو ارتباط بالقيم والتراث المادّيّ والمعنويّ والروحيّ والأخلاقيّ. والأرض تشدّنا إلى تاريخنا وجذورنا وتبني لنا معالم هويّتنا  وانتمائنا الدينيّ والحضاريّ. 
كما أنّ للوجود المسيحي الشرقي  في سورية وفلسطين وبلدان الشرق الأخرى أهميّة كبيرة. وعلينا أن نسعى مع الكنائس الأخرى، وكذلك مع المنتمين إلى الديانات غير المسيحيّة، لاسيّما المسلمين منهم، إلى توطيد علاقات المواطنيّة من أجل الحفاظ على التراث المشترك وتفعيله، خدمةً للحوار والتقارب بين الأديان والحضارات.
----------------------------------
توصيات النصّ وآليات العمل
الموضوع - التوصية- الآليّة
1- التنشئة على قيمة الأرض والتوعيّة عليها.
1- يوصي المجمع بإعادة إكتشاف أهميّة الأرض وبلورة القيم المتعلقة بها والحفاظ عليها.
1-أ: تعريف الأجيال الجديدة إلى أهميّة الأرض وغناها من خلال برامج وندوات تنشئة وتوعية.
1-ب: إحياء المهرجانات والأعياد الزراعيّة وحثّ الشبيبة على المشاركة فيها.
1-ج: تنظيم مواسم القطاف والغلّة.
1-د: تشجيع المنتشرين  على شراء الأراضي والبيوت.
1-هـ: إقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم الأصليّة.
1-و: العمل على تشجيع المنتشرين على القدوم إلى أوطان المنشأ ضمن برامج مدروسة، كمثل المخيّمات الصيفيّة والسياحة الدينيّة.
2- استراتيجيّة تنمويّة شاملة للحفاظ على الأرض والمياه.
2- يوصي المجمع بتضافر قوى الدولة والكنيسة والمؤسّسات من أجل استراتيجيّة تنمويّة شاملة للحفاظ على الأرض والمياه.
2-أ: تسهر الدولة على تطبيق قانون تملّك الأجانب.
2-ب: تحمي الدولة الإنتاج الزراعيّ المحليّ من المضاربة الخارجيّة تؤمن إمكانيّة تصدير الفائض منه إلى الأسواق الخارجيّة.
2-ج: تُقام تعاونيّات زراعيّة من أجل تشجيع المزارعين على العودة إلى الريف وإستثمار أرضهم بطريقة جديدة ومجدية، وإرشادهم إلى الزراعات البديلة القابلة للتصدير والتصنيع.
2-د: تُنشَأ مصانع صغيرة ومحترفات مهنيّة من أجل توفير مجالات العمل تحول دون إفراغ الريف من أهله.
3- الشراكة بين أبناء الكنيسة.
3- يوصي المجمع بتطوير فكرة الشراكة التي قامت قديمًا بين الأبرشيّات والرهبانيّات من جهة والعلمانيّين من جهة أخرى.
3-أ: تسعى الكنيسة مع مؤسّسات أجنبيّة، كالسوق الأوروبيّة المشتركة ومنظّمة التغذية العالميّة، إلى الإستفادة من الخبرات العالميّة لإستثمار الأراضي بحسب تنوّع المناخ والبيئة والحاجات الجديدة.
3-ب: يقوم بتعاون مع الهيئة الاقتصاديّة العُليا التابعة للبطريركيّة المارونيّة من أجل تقديم الأفكار وبلورة المبادرات.
3-ج: يتم التنسيق مع كليّة الزراعة في جامعة الروح القدس – الكسليك.
4- صون البيئة.
4- يوصي المجمع الأبرشيّات والرهبانيّات بصون البيئة في أملاكها والأوقاف التابعة لها وإطلاق حملة تثقيف بيئي.
4- تخصيص أشخاص في هذا الميدان، وإنشاء لجان على صعيد الأبرشيات تتابع الموضوع وتطلق حملة تثقيف بيئيّ في المدارس والمعاهد والرعايا.
5- تحريج المناطق اللبنانيّة.
5- يوصي المجمع المسؤولين في الكنيسة باتخاذ مبادرات من أجل تحريج المناطق اللبنانيّة.
5-أ: العمل على إقامة محميّات جديدة وعلى حماية الموجود منها.
5-ب: زرع غابات وأحراج على اسم جمعيّات ومنظمات ونواد محليّة، وعلى اسم جاليات الانتشار المارونيّ.
6- المياه.
6- تشكّل المياه ثروة طبيعيّة يجب الحفاظ  عليها  عبر منع هدرها وتلويثها، واستثمارها استثمارًا علميًّا، وتوزيعها توزيعًا عادلاً.
6- يطلب إلى الأهل وإدارات المدارس والجامعات نشر التوعية الضروريّة على أهميّة المياه وطرق استعمالها حفاظًا على بيئة سليمة في خدمة كلّ إنسان.
7-ب: إنشاء "كلّية علوم البحار".
* راجع النص الاصلي على موقع    
الأمـانـة العـامـة، ذوق مصبح ـ لبنان  
Secrétariat Général, Zouk Mosbeh - LIBAN

Envoyé de mon iPad jtk

mercredi 8 mai 2013

عظة المطران منير خيرالله في ذكرى المنسنيور البر خريش


خير الله ترأس قداسا في ذكرى اغتيال المونسنيور خريش: عرفته رجلا جريئا في مواقفه لا يتراجع أمام التحديات


May 6, 2012

أقامت عائلة الشهيد المرحوم المونسنيور ألبير خريش في الذكرى الرابعة والعشرين على اغتياله، قداسا لراحة نفسه في كنيسة سيدة المعونات في حارة صخر، ترأسه المطران منير خير الله ممثلا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، عاونه فيه الاب غسان عون، في حضور الكاردينال نصر الله صفير والمطارنة: غي بولس نجيم، يوسف بشارة وطانيوس الخوري، كاهن الرعية الاب لويس البواري، النائب حكمت ديب ممثلا رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، العقيد بيار صعب ممثلا قائد الجيش العماد جان قهوجي، المهندس عصام خير الله ممثلا النائب اسعد حردان، المهندس بسام خريش ممثلا رئيس بلدية عين ابل فاروق بركات، عضو المكتب السياسي في “تيار المردة” فيرا يمين ، رئيس حزب “الوعد” جو ايلي حبيقة، العميد المتقاعد مارون خريش، عائلة الشهيد وحشد من ابناء بلدة عين ابل والمصلين.
العظة
بعد تلاوة فصل من الانجيل المقدس، ألقى المطران خير الله عظة قال فيها: “نستذكر اليوم في قداسنا مع الاهل والاصدقاء المونسنيور ألبير خريش بعد أربع وعشرين سنة على استشهاده، لعلنا نتعلم من أمثولة حياته عيش المحبة والمغفرة والتسامح. فمنذ بداية كهنوته اتخذ له شعارا “الله محبة”.
وشرح ذلك في عظة قداسه الاول في عين ابل في 23/8/1965:” ما أجملها وما أروعها كلمة عبرت بها عبقرية يوحنا التلميذ الحبيب عن جوهر الله بوحي من الروح القدس. الله محبة، أحبنا الله يوم خلقنا ويوم افتدانا بدم ابنه وجعلنا له شعبا مقدسا وكهنوتا ملوكيا يجسد محبته بين البشر. انه لاهوت المجمع الفاتيكاني الثاني الذي كانت شارفت الكنيسة الجامعة على اختتامه مشرعة الابواب على نهضة جديدة وانفتاح كبير على العالم”.
وتابع:”الله محبة، أتجاسر وآخذ هذه الآية شعارا لحياتي ودستورا لاعمالي، وسأسعى بكل ما أعطاني الله من مواهب وقوى لأحقق هذا الشعار العظيم في حياتي، ولتكون حياتي هذه الجديدة صورة ولو حقيرة لمحبة الله أينما حللت. هذا كان مشروع حياته الجديدة وخدمته الكهنوتية”.
وعن كيفية تحقيق هذا المشروع شرحها قائلا:” سأضع قواي بتصرف الضعيف والبائس، وعقلي في خدمة من يطلب المعرفة، وإيماني في مساعدة من يجهل الله، ومحبتي في إرواء قلوب تتوق الى الحب الحقيقي المقدس. وهكذا أصبح كاهنا بحسب قلب يسوع الكاهن الأوحد والأبدي القائل:”تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وأنا أريحكم”.
اضاف: “كان الخوري ألبير قبل رسامته الكهنوتية قد درس الفلسفة واللاهوت في روما، وتابع بعدها تخصصه حتى نال دكتوراه في اللاهوت ودكتوراه في الحقوق المدنية والكنسية. وطلب اليه ان يبقى في خدمة الكرسي الرسولي حيث عمل في مجمع الاسرار حتى سنة 1977.هناك في روما التقيت به للمرة الاولى في ايلول 1973 عندما وصلت طالبا اكليريكيا لمتابعة دروسي الفلسفية واللاهوتية في معهد انتشار الايمان حيث تعلم هو لسنوات خلت. وتعرفت اليه عن قرب ورافقته وعرفته نشيطا لا يتعب ولا يكل. وعاونته في نشاطاته الرعوية، والكشفية بنوع خاص، التي دخلت من خلالها الى المجتمع الايطالي كنسيا واجتماعيا. وأذكر كم تعاونا معا وسهرنا الليالي مع اصدقاء ايطاليين منذ اندلاع الحرب في لبنان في نيسان 1975. فكان الشباب والصبابا والكشافة بنوع خاص، يتنافسون على جمع الادوية والالبسة والمواد الغذائية لإرسالها الى لبنان بتوجيه من المونسينيور ألبير”.
وتابع: “عاد هو الى لبنان في 13 أيار 1977 ليكون بالقرب من عمه البطريرك الكاردينال انطونيوس خريش، وعدت انا في 13 تموز 1977 لاهيىء رسامتي الكهنوتية التي قبلتها في 13 أيلول، وكان هو الاقرب الي مع عرابي الاب واليوم المطران سمعان عطاالله الذي كان شاهدا على نشاطنا في روما. وبعد غياب لبضع سنوات قضيتها في باريس للتخصص في اللاهوت وفي التنشئة الكهنوتية، عدنا والتقينا من جديد في الاكليريكية البطريركية المارونية في غزير الذي كان اشتراها البطريرك انطونيوس خريش من الآباء اليسوعيين، وحيث كان هو مرشدا روحيا للطلاب الاكليريكيين. فتعاونا على تنشئة اخوتنا كهنة الغد وعلى رسم استراتيجية الرجاء بجرأة الانبياء في كنيستنا المارونية التي كانت تفتش عن ذاتها وعن هويتها في سياق النهضة التي أطلقها المجمع الفاتيكاني الثاني”.
وقال: “في خلال هذه المسيرة الطويلة معا، عرفت المونسينيور ألبير رجلا جريئا في مواقفه لا يتراجع أمام التحديات، وصوته كصوت الانبياء كان يلعلع في كل الارجاء دفاعا عن الحق، وهو استاذ الحقوق في الجامعة اللبنانية. عرفته استاذا جامعيا يحاور الطلاب ويقنعهم بمنطقه ويستقطبهم بصراحته وجرأة قوله ودفاعه عن الحق. عرفته مرشدا حكيما مع طلاب الكهنوت الذين عمل على توعيتهم على هويتهم وعلى دعوتهم الى العودة الى تراث كنيستهم الانطاكية السريانية، حتى انه ألزمهم على الصلاة في كتاب الشحيمة السريانية. عرفته رجل المحبة يعطف على اليتيم والفقير والارملة، كما وعد في قداسه الاول، وكان يوزع عليهم ما يأتيه من اصدقائه الايطاليين مجانا وبدون حساب”.
وتابع: “كنت اخيرا شاهدا على وصيته التي كتبها أمامي بخط يده والتي يقول فيها:” في حال موتي، أقدم حياتي ذبيحة لفداء لبنان وليقظة كنيستنا المارونية من سباتها الروحي كي تنفتح على العالم أجمع وتتمم رسالتها في محيطنا وعالمنا العربي، اني أطلب المغفرة من الجميع، كما واني اطلب صلاة الجميع. الله محبة، واليه أمضي، فأتابع المحبة التي قادت حياتي حتى الآن”.
أيها الاخ والصديق والكاهن الحبيب المونسينيور ألبير، اني أتوجه اليك اليوم حيث انت تنعم في سعادة الملكوت مع الشهداء الابطال، وبعد أربع وعشرين سنة على غيابك، لاقول لك: “لقد كان موتك ذبيحة لفداء لبنان وليقظة كنيستنا المارونية. غفرت لقاتليك ودعوتنا جميعا الى عيش المغفرة. مت كحبة الحنطة ودفنت في ارض لبنان المقدسة، في ارض عين ابل الجنوبية التي قدسها السيد المسيح في تجواله بين الجليل وصور وصيدا، وها هي كنيستنا المارونية تقطف اليوم الثمار الكثيرة”.

اضاف: ” لذا فاني اقول لك، باسم صاحب الغبطة أبينا الحبيب مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى الذي أتاح لي الشرف ان أمثله في هذا القداس، وباسم نيافة الكاردينال نصر الله صفير واخوتي الاساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والاهل والاصدقاء وكل طلابك القدامى: اطمئن ايها المونسينيور ألبير، فان لبنان قد افتدي بذبيحتك وبذبيحة الكثيرين من الشهداء قبلك وبعدك. وان كنيستنا المارونية بدأت تستفيق من سباتها الروحي العميق بفضل السينودس الخاص الذي دعا اليه البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني طالبا من اللبنانيين العودة الى جذورهم والى عيش الرجاء، وبفضل المجتمع البطريركي الماروني الذي عقدته، بعد عودتها الى ينابيعها الروحانية في قنوبين، وأشركت فيه كل مكونات الكنيسة المارونية في لبنان وبلدان النطاق البطريركي وبلدان الانتشار، وأطلت فيه على العالم برسالة متجددة. وبعد ان تبنت كنيستنا نصوص هذا المجمع كمرجع لاهوتي وفكري وكنسي وراعوي وكدستور للقرن الحادي والعشرين، ها هي اليوم تعمل على تطبيقه مع غبطة البطريرك الراعي الذي وضعه في أولويات خدمته البطريركية في الشركة والمحبة”.

وختم: “ان السيد المسيح الذي دعاك اليه باكرا لا يزال حاضرا في كنيسته في لبنان التي تسير بدفع من الروح القدس وتتغذى بدم الشهداء وهي تعيش الرجاء وتشهد للمحبة وتسعى الى تحقيق الشراكة. وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.آمين”.

vendredi 3 mai 2013

ماذا جرى في الخامس من ايار في عين ابل ؟ Rapport de Mère Clémentine Khayyat -Ainebel 1920


 ماذا جرى في الخامس من ايار 1920 
في عين ابل ؟ 


Joseph Khoreich 





  خلاصة التقرير المفصل الذي وضعته شاهدة عيان

 رئيسة دير الراهبات في ذلك التاريخ الام كليمانتين السورية الحلبية  حول  أحداث الخامس من أيار ١٩٢٠  

وما بعده  بأيام .

 كيف عاش ابناء عين ابل المأساة ؟ 

- في المقدمة ( مجلة المشرق المجلد 18) تروي الام كليمانتين تطور الظروف التاريخية التي سبقت نكبة عين إبل  من لحظة دخول جيوش الحلفاء الى لبنان والمنطقة واعلان الدولة العربية ، الى نشر الوية تلك الدولة  في كل من دمشق وبعض المدن اللبنانية ومنها بخاصة الجنوبية ، ثم ما عقب ذلك من موجات اعتداء على بعض القرى مثل مرجعيون ودردغيا وطيرسمحات وصفد البطيخ  ويارون وقانا وغيرها من البلدات والقرى من قبل عصابات كانت قائمة منذ العهد العثماني، ثم انتهزت الظروف لتنضم الى التيارات  المعارضة لمشروع لبنان الكبير الذي كان ابناء عين ابل من ابرز المتحمسين له .

تتوقف الكاتبة على وصول  الجنرال الفرنسي غورو الى بيروت وما رافقه من ابتهاج  أبناء جبل لبنان بهذا الحدث ، بعكس أبناء بعض المناطق الاخرى وخصوصا في الجنوب . ثم موقف أبناء عين إبل من  عدم المشاركة في ذلك الابتهاج .الامر الذي اعتبر  تحديا لمشاعر الاخرين ولتوجههم السياسي الرافض للانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا. وكان ما كان ... فيما يلي وصف موجز لما تعرضت  له عين ابل من ويلات في ذلك النهار التاريخي ساعة بساعة .

- يوم الاربعاء وحوالي الساعة العاشرة صباحا  " ما  نظرنا الا الوفا.... يسيرون من بعيد الى جهة عين إبل " تقول رئيسة الدير. يصل في الوقت نفسه " بريد مع رسالة " طمأنة للبال بأن الجمع الوافد لايستهدف البلدة بل المرور فيها للحج الى مقام النبي يوشع في فلسطين . " نشروا ( الوافدون ) العلم الأبيض وصرخوا : أصحاب ، أصحاب "  . وبدأ اطلاق الرصاص من الجانبين .

- حوالي  الحادية عشرة قبل الظهر استشهد أثنان من حامية ( الحرس ) عين ابل . وبدأ المهاجمون يصلون الى مشارف البلدة .

- بين الواحدة والثانية ظهرا وصل  المهاجمون الى الاحياء الداخلية ، وهم بالألوف،  لا يصدهم اكثر من 300 مسلح عين إبلي حسب افادات المعمرين من أبناء البلدة ).  فكان أول هدف لهم " الحارة ( بناية شباط الواقعة قرب مكتب  الريجي وبيت فرسان العذراء اليوم ) التي كان قد أقيمت في ساحتها حفلة رفع العلم الافرنسي" .

- حوالي الثانية بعد الظهر وصل 30 عين إبلي وهم منسحبون  الى الدير . من نوافذه  راحوا يطلقون النار على المهاجمين في حين كان الاهالي يتوافدون تباعا الى المكان نفسه ، هربا من المذابح التي بدأت ترتكب في المنازل وعلى الطرقات .

- امتلأ الدير بالاهالي المذعورين الذين راحوا يتوقعون الموت في كل لحظة . غالبوا الخوف باللجوء الى  الصلاة  وتلاوة  فعل  الندامة يحثهم عليها  خوري عين إبل الاب طانيوس صادر وخوري دبل طانيوس اسحق والراهبات الاربع : كليمانتين من حلب، انستاز من بغداد ، سلستين من غزير ، بربارة من عين إبل .

- الساعة الخامسة مساء اشتد الخوف وكان يسمع بكاء شديد.

- بين السادسة والسابعة مساء طرق الباب بشدة و" وصل عدد كبير من الجرحى . هذا الرصاص في جسمه وذاك مقطوع اليدين والآخر مضرج بالدم ...أمتلأت ساحة المدرسة والطابق الأعلى بالجرحى.... ووسط أصوات العويل وصراخ النساء والأولا د "،  راحت الراهبات تقمن  بالاسعافات الاولية .

- حوالي السابعة والنصف بعد غياب الشمس أفيد أن الذخيرة نفذت من المدافعين عن البلدة . وبدأت عملية انسحابهم الى خارجها . وتبعهم عدد كبير من الاهالي الذين  كانوا يلتجئون الى الدير ترافقهم الاخت بربارة العين إبلية .

- بين السابعة والتاسعة مساء كان الخوف  لا يزال مسيطرا على نفوس الاهالي داخل الدير والابتهالات ترفع من الحناجر المنهكة بالحزن والبكاء .الام كليمانتين تسجل في ذاكرتها قرقعة ابواب المنازل التي تحطمها أسلحة  المعتدين من بنادق ورشاشات وقنابل . وتفكر بمصير المرضى والمقعدين الذين كانت تزورهم قبل قليل . تبين لها فيما بعد أن عدم تمكن أهاليهم من نقلهم معهم وبقاءهم وحدهم في البيوت جعلهم عرضة للانتقام ولكل أنواع التعذيب من قبل عناصر العصابات المهاجمة . فوجدت  جثثهم بعد ايام  "مجرّحين مقطّعين مشوييّن بالنار بالعري التام بينهم النساء والشبان والشابات "  .

- قريبا من التاسعة مساء وصل المهاجمون الى محيط الدير واقتربوا منه محاولين الدخول اليه وهم يصيحون ويطرقون الابواب المقفلة .

- العاشرة مساء تمكن المهاجمون  من كسر واجهة الدير الزجاجية التي تغطي أعلى المدخل ثم خلعوا الباب الرئيسي ودخلوا الى المعبد ( الكابلا ) . تصف الام كليمانتين مشهدهم  المروع وهم  :" يمزّقون الصور ويكسرون التماثيل التقوية والقناديل . ويحطّمون شخص البتول المنصوب كرام شهرها المريمي وفتحوا باب القربان الاقدس ..." مردّدين ّالعبارات النابية والمهددة بالقتل  .

- الساعة الحادية عشر ليلا  تمكنت الراهبات من الخروج عن طريق باب جنينة الدير الجنوبية  بما يشبه المعجزة دون ان يراهن الاشقياء .

الحادية والنصف ليلا وصلت الراهبات وسط الظلام والطريق الشائكة والصعبة المسالك الى مكان تقع فيه شجرة كبيرة بين موقعي "شرتا وبسسبة"  .

في الساعة الواحدة من صباح اليوم التالي الخميس 6 ايار وصلت الراهبات الى أرض "بسبسة" قريبا من رميش حيث وجدن مجموعة الاخت بربارة  من ألاهالي الذين  كانوا قد سبقوهن الي المكان هاربين من المجازر .

ويتابع التقرير ما جرى  من تاريخ 5 ايار الى 23 منه  في عيش تجربة التهجير على مدى ثلاثة اسابيع ، قبل العودة التدريجية الى البلدة. 


Envoyé de mon iPad jtk -جوزف خريش بتاريخ 3-5-2013