شلعبون»: حكاية تاريخ نهب الإسرائيليون جزءاً منه | ||||||||||||
لطالما تداول أبناء بنت جبيل في ما بينهم أن "شقلبون"، التي تعرف بـ"شلعبون"، كانت بلدة صغيرة قد سكنها الآموريون، والكنعانيون، وحضارات أخرى. فالتلة الواقعة بين غربي مدينة بنت جبيل وخراج بلدة عين إبل شمالاً، ما زالت بعض أطلالها القديمة شاهدة على التاريخ، لا سيما المغاور المحيطة بالتلة وحجارتها الأثرية، وهي تشير إلى أن الإنسان سكنها منذ عصور غابرة. ووفق علماء الآثار فإن التلة التي تمتاز بموقعها الاستراتيجي، قد نُهبت ثرواتها وكنوزها على مدى القرون والسنوات الماضية، فقد اتخذ منها الاحتلال الإسرائيلي مركزاً لقواته، وتشير المعلومات المتناقلة الى أنه جرى نهب حجارتها الأثرية، وحتى أتربتها ونقلها إلى داخل فلسطين المحتلة. وقد أجرى الباحث في الحضارات التاريخية موسى ياسين، بحثاً مطولاً حول التلة، يقول إنها "من المواقع الأثرية القديمة التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وذلك التاريخ يقع في الحقبة الكنعانية، التي كانت في زمن ازدهارها". ويستدل على ذلك بتعاليم الآثار الموجود في باطن الأرض وخارجها، التي تعتبر دليلاً واضحاً على نتائج البحث الذي قام به. أما المغاور، وما تبقى من الحجارة الأثرية وبعض الأطلال، فتشير إلى "مركز محكمة كنعانية بنيت في زمن القاضي والحاكم الجبار المدعو شمشون"، ويروي ياسين أن "هذا الحاكم كان مشهورا بقوته الهائلة وجبروته، وكانت ميزته وقوته في شعره الطويل المسترسل على كتفيه، حيث قيل إنه كان يستمد قوته من شعره، وقيل عنه أيضاً إنه كان من القضاة الأشداء، بحسب ما روى الكتّاب والمؤرخون، وقصته مع قومه معروفة إلى أن بدأ بهدم المحكمة حتى انهار كل ما فيها من أعلاها حتى أسفلها عندها سميت بدلاً من محكمة شمشون بـ(شقلبون). وهذه الكلمة ليست عربية، بل كنعانية آرامية". ناشد ياسين المسؤولين، ورئيسا بلديتي بنت جبيل وعين إبل "أن يعطوا الاهتمام الكافي للتلة الأثرية، وأن يأخذوا بعين الاعتبار الآثار التاريخية الموجودة في باطن الأرض"، حيث يتوقع بنسبة 90 بالمئة "وجود معبد ونواويس". |
عين ابل | تعمل بلدية عين ابل، في قضاء بنت جبيل، جاهدة للبحث عن المكان المناسب لاقامة مجسّم خاص داخل البلدة تعرض عليه نسخة طبق الاصل لمنحوتة أثرية تمكّنت البلدية من استعادتها من متحف اللوفر في باريس. المتحف الفرنسي العريق كان قد حصل على القطعة الاثرية في القرن التاسع عشر، عندما عمد المؤرخ الفرنسي أرنست رينان الى انتزاعها من أحد المواقع الأثرية في البلدة في العام 1860 أثناء جولة له في المناطق اللبنانية ليكتب «بعثة في فينيقيا» التي أرخ فيها المواقع الاثرية والتاريخية التي زارها.
ويوضح رئيس البلدية فاروق بركات ذياب أن رينان اكتشف أثناء جولته في عين ابل «صخرة كبيرة تعود الى العصر الروماني منحوت عليها صورة الالهين أبوبلون المعروف ببعل، وديانا أرتميست المعروفة بديانا، مع سهمين وثورين تتوسطهما شجرة نخيل، فعمد الى قصّ الصخرة ونقلها معه الى باريس». وكتب رينان في الصفحة 676 من دراسته عن معبد الدوير أن «حجارة المعبد ضخمة. بين الانقاض حجر كبير شبه مربع وتبرز على إحدى جهاته منحوتة غريبة مع كتابة. عرض علي البناؤون المسيحيون في قرية عين ابل قبل ان يفصلوا الواجهة المنحوتة في الصخر لكي تصبح رفيعة مما يسمح بنقلها على جمل حتى صور. وبالفعل اتموا هاتين المهمتين الصعبتين بكثير من الجدارة، وباتت المنحوتة الآن في اللوفر، وأعتقد أنها اغرب العيّنات عن طقوس العبادة السورية. ويمكن قراءة الكتابة عليها بصعوبة، وترجمتها هي: شيد هذا المبنى لراحة سلمان وهريقليت».
وأوضح دياب أن «أحد أبناء بلدة عين ابل اكتشف حقيقة فقدان الصخرة بعدما قرأ هذا النص في كتاب رينان وأطلع البلدية عليه، فبدأت عملية البحث عن المنحوتة بالاستعانة بأحد أبناء البلدة يوسف خريش الذي يعمل في المركز الكاثوليكي للاعلام، وقد استعان بدوره بابن عمه يوسف خليل خريش الموجود في فرنسا. وتبيّن لنا أن الصخرة موجودة في متحف اللوفر في باريس، وعمدنا الى توثيق الأدلّة التي تثبت ملكية الصخرة لعين ابل، واستمرت المفاوضات مع إدارة المتحف منذ العام 2003، الى أن أقرّ المعنيون هناك بمشروعية ادعاء بلدية عين ابل بملكية المنحوتة الرومانية، لكنها بينت أن القانون الفرنسي لا يسمح باسترداد أي قطعة أثرية مضى على وجودها في فرنسا أكثر من 70 عاماً، لذلك قرّرت الادارة نحت مجسّم شبيه (طبق الأصل) عن الصخرة المسروقة، وإرسالها الينا».
وقد تسلّم رئيس البلدية اللوحة الصخرية عبر ماري كلودين بيطار من مؤسسة «بروموريون» في 24 الشهر الماضي، أي بعد أكثر من 151 سنة من سرقة اللوحة الأصلية، وبعد نحو 9 سنوات من المفاوضات مع المتحف الباريسي. وقد عمدت البلدية الى ايداع اللوحة في قاعة البلدية تمهيداً لنقلها الى مكان لائق في البلدة بعد الاستعانة بمهندسين متخصصين. وقد عبّر ابناء البلدة عن سعادتهم بإنجاز البلدية الذي يعدّ انجازاً تاريخياً يحتذى من جميع البلديات لاستعادة آثارها المسروقة.
يذكر أن الصخرة المسروقة كانت في محلّة الدوير في عين ابل، وهي منطقة أثرية نُهبت على مراحل عدة، منذ حكم جمال باشا الجزار وحتى الاحتلال الاسرائيلي. علماً أن منطقة بنت جبيل غنية بالآثارات التي يعود بعضها الى أيام الكنعانيين، وقد تعرّضت أثناء الاحتلال الاسرائيلي لعمليات سرقة منظمة، فنبش الكثير من الأماكن الأثرية ونُهبت كميات كبيرة من النواويس والتحف الأثرية،وبعضها من الذهب الخالص، بحسب العديد من أبناء المنطقة، وبيعت الى جهات مجهولة.